قلت: وما عساني أن أفعل يا إميل، وأنا كما تعلم زوجة ذات بعل ولي أولاد صغار، فهل يمكنني أن أسمع غير نداء الواجب والضمير؟!
قال: وأي واجب يقضي عليك يا مادلين أن تعيشي تحت هذا النير الثقيل، وتخضعي لهذا الزوج القاسي الذي نغص عيشك وقصر أيام صباك، وأنهك قواك، فهل لا يوجد في العالم من يرثي لحالك، ويدافع عنك وينتقم لك من ذلك الوحش الضاري.
أليس لك أقارب أو أصدقاء يشفقون عليك ويطلبون لك الراحة والسعادة؟ فلماذا إذن ترضين بهذا الذل والشقاء؟ أجل؛ فأنا أفديك يا مادلين بالنفس والنفيس وأدافع عنك وآخذ بثأرك، فهيا اتركي هذه الدار التي استحكمت فيها حلقات الشر والعذاب، وتعالي نرحل من تلك البلاد ونعيش حيث لا يرانا أحد ولا تصل إلينا يد إنسان.
قلت: قد مضى هذا الوقت يا إميل، وليس هذا زمان الصبا حتى يسوغ لي أن أفعل ما أريد وأقدم على الهرب والفرار، فأنا قد ارتبطت برباط لا يمكنني حله الآن، فدعني أتجرع كأس الذل والعذاب إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
فلما سمع إميل هذا الكلام نهض على قدميه وكفكف الدمع، ثم ناجى نفسه بصوت منخفض فقال: يا لله، ما هذا الجنون! كيف ألقي بنفسي بين يدي امرأة لا تميل إلي ولا تحبني.
ثم تقدم إلى النافذة، فأراد أن ينزل منها إلى الحديقة كما دخل الغرفة وهو يدمدم قائلا: الوداع يا مادلين الوداع.
أما أنا فانزعجت من حالة هذا الشاب المسكين ودنوت منه فقبضت على ذراعه بلطف وناديته قائلة: إلى أين تريد الذهاب يا إميل؟
قال: سأذهب إلى حيث لا ترينني بعد ذلك يا مادلين، سأذهب من حيث أتيت؛ فلا عدت ترين وجهي بعد الآن.
قلت: ولكن هذه النافذة تعلو عشرة أقدام عن الأرض، فكيف تستطيع النزول منها إلى الحديقة؟
قال: لا تخافي يا مادلين؛ فأنا لا أموت تحت نوافذ غرفتك، بل سأخرج من دارك حيا كما دخلت إليها، ولكن بعد ذلك سألاقي الموت الأحمر بعيدا عن تلك الديار؛ فالوداع يا مادلين الوداع.
صفحه نامشخص