وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
ژانرها
في علوم اللغة: أينبغي لها أن تكون معيارية حاكمة أم وصفية سمحة؟
سيقول من أشرب بالنزعة الماهوية إن اللغة توقيفية، طبيعية، ثابتة، حاكمة. وسيقول من عوفي من الماهوية بغير ذلك. (1) توقيف أم اصطلاح؟
سيقول الماهوي: إن اللغة البشرية هبطت من السماء وظهرت فجأة بطريقة إعجازية خارقة، في لحظة زمنية واحدة، مستوية مكتملة، كما ولدت منرفا من رأس زيوس! اللغة عند هؤلاء هي «توقيف» أو وحي أو إلهام من الله.
من الثابت الآن في ضوء اللغويات الحديثة وعلم الاجتماع الحديث «أن اللغة ليست إلا ظاهرة اجتماعية، وتلك الظواهر الاجتماعية لا تقوم إلا على غير ما تصوره الأقدمون من أمور عقلية منطقية وأعمال صناعية تحكمية»
1 ... تلك الظواهر الاجتماعية ليست صناعة فرد بعينه أو أفراد بعينهم، ولا عمل جيل بذاته، ولا توجيه فيها لعقل الفرد، أو الإرادة الفردية، ولا تأثير له عليها، فلا هو يستطيع دفعها إذا أراد، ولا هو يستطيع صدها إذا شاء، وما هو ولا قومه مجتمعين بمستطيعين أن يقدموا من أمرها شيئا أو يؤخروه. فلا هم يتدخلون تدخلا إراديا في وجودها، ولا هم يسهمون في تنظيمها، ولا هم يختطون طريقها؛ وكل ما تتعرض له وما يواجهها من دوافع أو موانع ... وما ينالها من تغير وتحول، أو توسط وتبسط، أو توقف وتعطل، لا يكون شيء منه إلا من نتائج العقل الجمعي، ومقتضيات الوجود التجمعي، وهو ما لا ينفي فيه منطق الأفراد ولا يثبت، ولا تعطي فيه إرادتهم ولا تمنع، ولن يغيروا أبدا من واقع تحتمه القوانين الاجتماعية الثابتة المطردة.»
2
هذا أمر ينبغي تفهمه ابتداء حتى يتبين لنا خطأ القدماء الأولي فيما ذهبوا إليه. «فاللغة في كل مجتمع نظام عام يشترك الأفراد في اتباعه، ويتخذونه أساسا للتعبير عما يجول بخواطرهم، وفي تفاهمهم بعضهم مع بعض. واللغة ليست من الأمور التي يصنعها فرد معين أو أفراد معينون، وإنما تخلقها طبيعة الاجتماع، وتنبعث عن الحياة الجمعية، وما تقتضيه هذه الحياة من تعبير عن الخواطر وتبادل للأفكار. وكل فرد منا ينشأ فيجد بين يديه نظاما لغويا يسير عليه مجتمعه فيتلقاه عنه تلقيا بطريق التعليم والمحاكاة، كما يتلقى سائر النظم الاجتماعية الأخرى، ويصب أصواته في قوالبه، ويحتذيه في تفاهمه وتعبيره.»
3 (2) من خصائص العقل القديم
لم يكن العقل الإنساني في تلك المرحلة التاريخية من تطوره لحظة تأسيس علوم اللغة، لم يكن قد تخلص بعد من آثار الشفاهية والبدائية وسذاجة الطفولة البشرية. كان عقلا قديما يهيمن عليه «بارادايم»
4
صفحه نامشخص