وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

عادل مصطفى d. 1450 AH
129

وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

ژانرها

أن يقول: «لا يحق لجنين أن يعلن إنسانا حتى يمر باختبارات معينة تخص هباته الجينية.» إن تحيزاتنا الماهوية الجينية تزين لنا أن نرى إلى الجينات على أنها الحل النهائي للمشكلات الاجتماعية، وأن تحسين حياتنا يجعل الأولوية للبحث التقني الجيني على غيره من ضروب التدخل، تلك الضروب التي قد يثبت أنها أكثر تأثيرا وأقل كلفة. وكما لاحظ هورويتز «فإن التركيز على الجينات يصرف الانتباه عن جهود تغيير البيئة إلى جهود تغيير الجينات المعيبة.» إن تحيزاتنا الماهوية تسحرنا بنداء الحلول الجينية لمشكلات الحياة.

26

لقد كانت اليوجينيا والتحسين الجيني نزغا أضل كثيرا من حسني النية، ودفعهم إلى ارتكاب وتبرير كثير من الأفعال الشائنة في أوائل القرن العشرين في جهد ضال لتحسين الجنس البشري. (13) الماهوية الجينية والتصور الشعبي للبحث الجيني

يسترعي البحث المتعلق بالجينات انتباها كبيرا من وسائل الإعلام. ومثلما هو الحال مع التقارير العلمية الأخرى يتم تبسيط الظواهر العلمية المعقدة وصعبة الفهم للمستمعين؛ غير أن التبسيط في حالة التقارير الجينية تبلغ الحد الذي قد يضل كثيرا من القراء عن فهم الظاهرة. إن أغلب الناس لا يستقي معلوماته عن الجينات إلا من وسائل الإعلام؛ ومن ثم كان من المهم النظر في كيفية توصيل هذه المعلومات. وقد قام كونراد 1977م بدراسة علمية، درس فيها بتفصيل كبير كيف تسهم وسائل الإعلام في دعم الحتمية الجينية، فقد بين عددا من التحيزات في عملية توصيل النتائج العلمية الجينية تبدو بها الجينات مضطلعة بدور أكثر محورية وحتمية مما تقوله البيانات العلمية في حقيقة الأمر؛ فالنتائج البحثية المؤيدة (للدور السببي المباشر للجينات في إحداث الأمراض والسلوكات) تحظى بتغطية إعلامية أكبر بكثير من النتائج المفندة اللاحقة وهي كثيرة الحدوث في الأبحاث الجينية بشكل خاص؛

27

الأمر الذي يؤدي إلى تضخم انطباع الحتمية الجينية دون وجه حق. يذهب كونراد 2002م إلى أن الإعلام ما فتئ يقدم صورة مفرطة التبسيط للبحث الجيني. وحين تنعت الظاهرة ب

OGOD (one gene, one disease) ؛ أي جين واحد مرض واحد، فإنها تتخذ علاقة «واحد لواحد» حتمية بين جين محدد ومرض أو سمة محددة، وتشير إلى «تفسير جيني قوي». هكذا تنعت الظواهر الجينية في عناوين الإعلام: «اكتشف الباحثون جينا للمثلية»، أو «جينا للتطور»، أو ما هو أسوأ بعد: «اكتشفوا جين المثلية»، أو «جين التطور». إنهم بذلك يقدمون صيغة مفرطة التبسيط للنتائج الأصلية، أو حتى يقدمون تمثيلا زائفا للبينة (مثلا: لم يتوصل إلى «جين مثلي» على الإطلاق). ورغم أن علاقات واحد لواحد هذه موجودة فعلا في الأمراض الوحيدة الجين (مثل التليف الكيسي

cystic fibrosis ) فإنها تمثل شريحة صغيرة للغاية من الأمراض، ومن أبعد الاحتمالات أن تكون السمات السيكولوجية نتاج بضعة جينات. إن ظواهر «جين واحد مرض واحد»، وإن كانت تتجاوب بشدة مع تحيزات الناس الماهوية الجينية، هي من الندرة بمكان.

قليلة هي الأبحاث السيكولوجية التي تبحث - بشكل مباشر - تأثيرات التعرض لتقارير الإعلام في الجينات على اتجاهات الناس. واستثناء لذلك أجريت دراسة استكشفت استجابات الأمهات للتقارير الإعلامية عن بحث جهير ادعى أن أداء الأولاد فاق أداء البنات (من نفس المستوى التعليمي) في الرياضيات. بعد ثلاثة أشهر من التغطية الإعلامية الأولى للبحث جمع إكلس وجاكوب 1986م بيانات أشارت إلى أن الأمهات اللاتي لم يعلمن بذلك (uninformed mothers)

لم يجدن اختلافا في تقييمات القدرة الرياضية لأطفالهن. أما الأمهات اللاتي قرأن عن هذا البحث (misinformed mothers)

صفحه نامشخص