وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
ژانرها
تتجلى قوة التحيزات الماهوية الجينية في تكرار صعود الأيديولوجيات اليوجينية عبر التاريخ. ونحن نؤكد أن هذه الأيديولوجيات تترتب مباشرة على الأساليب التي يدرك بها الناس الأسس الجينية على أنها ثابتة ومتجانسة وأساسية للشخصية الإنسانية. وما دامت الجينات ترى على أنها مكمن العلية، فإنه ينتج عن ذلك أن الجهود الرامية لتحسين البشرية سوف تتركز على تحسين الجينات أو «جميعة الجينات»
gene pool
بصفة أعم. ونحن نتوقع أن الأيديولوجيات اليوجينية سوف تبقى في صعود ما بقيت الناس تحاول دمج رؤيتها للعالم الاجتماعي بما تتلقاه من الكشوف الجينية المتعلقة بالخصائص البشرية. وفيما يلي نصف باختصار طريق اليوجينيا وكيف ترتبط بالماهوية الجينية.
كان أول تناول لليوجينيا في التراث الغربي واضحا في دعوة أفلاطون للحكام (الحراس) إلى تحسين الدولة عن طريق التحكم في التناسل البشري (على أنه أدرك أن من المهم أن تبقى هذه السياسة خفية عن عامة السكان). يعني ذلك أنه كان من المفهوم أن الناس تمتلك ماهية قابلة للوراثة تختلف كيفيا بين الأفراد، رغم أن آليات هذه الوراثية لم تكن مفهومة بعد، يترتب منطقيا على هذه المقدمة أن من يريد أن يحسن البشرية فإن عليه أن يستنبت هذه الماهية الوراثية في الأجيال القادمة.
وقد تكررت في التاريخ محاولة وضع برامج لتحسين أمة أو عنصر؛ غير أن هذه الرغبة في تحسين الذرية والخلف كانت تفتقر إلى أي أساس علمي، إلى أن صدر كتاب دارون «أصل الأنواع». وكانت الصلة بين قول دارون بالسمات الوراثية المتفاوتة في الصلاحية وبين الرغبة في تحسين ماهية الجنس البشري لافتة لا يمكن إغفالها. وها هو سير فرنسيس جالتون
Francis Galton - عم دارون - يقترح أن نستخدم مفهوم الانتخاب الاصطناعي لتحسين الجنس البشري. وما لبثت أفكار جالتون مستخدمة استعارات ونتائج علمية من بحوث تربية الحيوان، تثير اهتماما متزايدا من المجتمع العلمي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وانتشرت - في التربة الخصبة لتحيزات الناس الماهوية الجينية - في العالم الصناعي انتشار النار في الهشيم.
لم يقتصر إغراء الأيديولوجيات اليوجينية على ذوي الفهم المحدود للوراثة أو الجينات. فقد اعتنق بعض من أبرز علماء العصر الأفكار والممارسات اليوجينية بحذافيرها، من بينهم كارل بيرسون ولوثر بربانك ورونالد فيشر، ولحق بهم أيضا وجوه بارزة مثل ألكسندر جراهام بل وجورج برناردشو وتيودور روزفلت، جمعتهم رغبتهم في تحسين نوعية «الجيرم بلازم» البشري.
في هذا الوقت المبكر لم يكن علم الوراثة متميزا عن اليوجينيا، فعلى سبيل المثال فإن هيئة التحرير المؤسسة للمجلة الأمريكية لعلم الوراثة قد صدقت على حركة اليوجينيا. واندفعت تنظيمات جديدة مثل رابطة اليوجينيا الأمريكية وتنظيم الأبوة في تمجيد الأيديولوجيات اليوجينية، بينما كانت رابطة التربية الأمريكية تتحالف معها.
25
وقد وصلت الدعاية اليوجينية حتى إلى المعارض المحلية في قارات عدة، حيث تم تشجيع اليوجينيا الإيجابية عن طريق المباريات التي قدمت ميداليات إلى العائلات والأزواج والرضع الأكثر لياقة يوجينية. وقلما شهد العالم فكرة علمية تلقى مثل هذا الرواج الشعبي ، الذي يشهد كم تجاوبت الأيديولوجيات اليوجينية مع التحيزات الماهوية للناس.
صفحه نامشخص