8

انتهت الرحلة بسلام، ولكن كلود ما كان سيترك ليونارد يوصله إلى المنزل. لذا، نزل من السيارة بسرعة شديدة ورمى عليه تحية المساء بنبرة فظة، وركض عبر الحقول المظلمة باتجاه الضوء الساطع من المنزل أعلى التل. وعلى الجسر الصغير على النهير، توقف كي يلتقط أنفاسه ويحرص على أن يظهر بمظهر هادئ قبل أن يدخل المنزل ويرى أمه.

تمتم بصوت عال وأغلق قبضته: «اصطدم بآلة حصاد في الظلام!»

لما استمع إلى نقيق الضفادع العميق، وإلى نباح الكلاب البعيدة في المنزل، بدا هادئا أكثر. مع ذلك، تساءل في نفسه ما الذي يجعل المرء مسئولا في بعض الأحيان عن سلوك أشخاص لهم طبيعة مخالفة لطبيعته كليا.

3

أقيم عرض السيرك يوم السبت. وفي الصباح التالي، كان كلود يقف عند التسريحة وأخذ يحلق. طال شعر ذقنه، وكان أغمق من شعر رأسه قليلا، ولكنه ليس بنفس حمرة بشرته. حاجباه ورموشه الطويلة كان لها لون أصفر فاتح؛ مما جعل عينيه الزرقاوين تبدوان أفتح مما هي عليه في الحقيقة، وبحسب ظنه كان الجزء العلوي من وجهه يوحي بأنه خجول وضعيف. كان مظهره ليس بالمظهر الذي يريده على الإطلاق. كان يكره رأسه على وجه الخصوص؛ إذ كان له رأس كبير على نحو جعله يواجه صعوبة في شراء القبعات، وكان رأسه يتخذ شكلا مربعا واضحا؛ وهو ما جعله يبدو كشخص أبله على نحو مثالي. كان يحمل اسمه مصدرا آخر للشعور بالخزي. كلود اسم يعني «الأبله» مثل إلمر وروي، وهو اسم يعني الريفي الذي يحاول أن يرتقي. في مدارس الريف، كان هناك دائما صبي أحمر الشعر ذو يدين مغطاتين بالبثور وأنف لا ينفك عن السيلان يسمى كلود. منحه الله جسما قويا؛ ذراعاه وساقاه متناسقتان ويكتنزان بالعضلات، وكتفاه قويتان، وهي الصفات الجسمانية التي تليق بفتى مزارع. مع الأسف، لم يتصف بالرزانة التي كان يتمتع بها والده، وغالبا ما تبرز قوته من تلقاء نفسها على نحو غير ملائم. في بعض الأحيان، تتسبب العواصف التي تدوي في رأسه في نهوضه أو جلوسه أو رفع شيء بقوة أكبر مما تستدعيه الأسباب التي دفعته إلى القيام بذلك.

نام أهل البيت حتى وقت متأخر في صباح يوم السبت، حتى ماهيلي لم تستيقظ حتى الساعة السابعة. الإشارة العامة إلى موعد الإفطار كانت رائحة قلي كعك الدونت. في هذا الصباح، نزل رالف عن سريره في اللحظة الأخيرة، وارتدى ملابس داخلية نظيفة على عجل من دون استحمام. لم يأبه لذلك على الإطلاق، على الرغم من أنه استغرق بعض الوقت في تلميع حذائه الجديد الملون بلون دم الثور بلطف باستخدام منديل جيب. وصل إلى المائدة بعدما أكل الآخرون نصف وجبتهم، وعبر عن اعتذاره بسؤال والدته بنبرة لطيفة إن كانت لا تريده أن يوصلها بالسيارة إلى الكنيسة.

نظرت إلى الساعة متشككة وقالت: «أود الذهاب معك إن كان لي أن أنجز أعمال المنزل في وقتها.» «ألا تستطيع ماهيلي إنجازها بدلا منك هذا الصباح؟»

ترددت السيدة ويلر. «يمكنها إنجاز الأعمال كافة ما عدا استخدام فرازة اللبن. ولكنها لا تستطيع تجميع كل الأجزاء بعضها مع بعض. إنه قدر كبير من العمل، كما تعلم.»

بينما كان يفرغ رالف محتويات إبريق الشراب السكري على كعكاته، قال بخفة دم: «والآن يا أمي، أنت متعصبة لرأيك. لا أحد يفكر في خض اللبن هذه الأيام. المزارعون المسايرون للزمن يستخدمون الفرازة.»

رمشت عينا السيدة ويلر الشاحبتان. وقالت: «لن أكون أنا وماهيلي قط مسايرتين للزمن يا رالف. إننا لا نعلم غير الطرق القديمة، ولا أريد سوى أن تدعنا كذلك. أستطيع تبين ميزات الفرازة إذا كنا نحلب ست بقرات. إنها ماكينة عبقرية للغاية. ولكن تنظيفها بالماء الساخن وتركيبها يحتاج إلى جهد أكبر بكثير مما يتطلبه التعامل مع اللبن بالطريقة القديمة.»

صفحه نامشخص