واحات العمر: سیره ذاتیه: الجزء الأول
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
ژانرها
الذي كان يرسل ما أترجمه بالتلكس إلى غرفة الأخبار الرئيسية في لندن لإذاعته مع ذكر مصدره.
إحدى رحلات نادي الطلبة العربي إلى الريف، ويبدو في الصورة إبراهيم فوزي ومحمد مصطفى رضوان وصلاح الغباشي وشاهيناز ونهاد ونجاة وسامي أبو طالب ومحمد نوح.
كما كنت أستفيد من الاطلاع على أخبار العالم؛ إذ كان يطلب من العاملين بالترجمة وبالتحرير أن يقرءوا أنباء اليوم والأمس حتى يعرفوا ما هو جديد، وحتى لا يترجموا «أخبارا» قديمة ظانين أنها جديدة؛ فالصحف لا تنشر كل شيء، وقد مكنني ذلك من متابعة وجهة النظر العربية والمصرية خصوصا عندما بدأت حرب الاستنزاف في صيف 1969م وبدأ المصريون يثبتون صلابتهم في التصدي للغطرسة الإسرائيلية، وكان الارتباط بإذاعة الوطن بمثابة الإبقاء على الحبل السري الذي انقطع لدى الكثيرين؛ فمعظم المصريين والعرب في الغربة لا يقرءون ولا يسمعون إلا ما تنقله وسائل الإعلام الغربية، وفي يونيو 1969م كنت قد أتممت عام التدريب وأصبحت ترجماتي موثوقا بها، ومنحوني ما يسمى «التثبيت» في الوظيفة
establishment
فانتقلت إلى مكتب الأخبار، وصرت المرجع في الأخبار المصرية، وكثيرا ما كنت أرفض الأنباء التي قد تسيء إلينا، مهما يكن من صحتها الظاهرية، محتجا بعدم دقتها، وأصبح رئيس قسم الأخبار الإنجليزي يثق بي، ورغم وجود مصري آخر معي هو عبد اللطيف الجمال في قسم الترجمة فعندما كان يقول «المصري» كان الجميع يعرفون أنه يعنيني. وكان في القسم بعض العرب من الأقطار الأخرى، وكثيرا ما كان النقاش الذي يصل إلى درجة الخلاف يدب بيننا باعتباري ممثلا للموقف المصري والمؤمن بمشروعية كفاحنا، وكان الإنجليز يحترمون ذلك، ولا يتعدون حدود العمل المهني والرسمي في معاملاتهم معي؛ فالآخرون متزوجون من أجنبيات وتحولوا على مر الأيام إلى صور باهتة (شاحبة؟)؛ لا هي عربية ولا إنجليزية، وكان شرينجهام - رئيس قسم الإنتاج - ذو الزوجة المصرية يعرف ذلك، وكان يعرفه رئيس الأخبار كلها!
وما إن حل عام 1970م حتى كانت نهاد قد نجحت في اختبار أمناء المكتبة - وهي مكتبة الأخبار بنفس المبنى - وبدأت العمل معي، غير أنها كانت تعمل في المواعيد العادية، وأنا أعمل وفقا لمتطلبات الأخبار في ورديات بعضها مسائي وبعضها صباحي، فكنا نذهب أحيانا إلى العمل معا ونعود معا، وأحيانا لم نكن نلتقي إلا في فترات الغداء في المبنى نفسه، وأحيانا كنت أصادفها عائدة إلى المنزل وأنا على وشك بداية الوردية.
5
وكان عام 1970م عام الصداقة الجديدة التي نشأت بيني وبين توم هيتون، وهو إنجليزي نشأ وترعرع في اليمن أثناء وجود والده مع القوات البريطانية في عدن، وكان يعرف اللغة العربية ويفهمها قراءة وكتابة، ولكنه لا يتحدث بها بطلاقة، وعندما تخرج في كلية المعلمين انتدب مفتشا (موجها) للغة الإنجليزية في اليمن أيضا، وكان ما يزال في مقتبل العمر، فنشأت بينه وبين رجال التعليم فيما كان يسمى باليمن الجنوبي أو جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية صداقة عميقة، رغم أنه كان يحمل جنسية رجال الاحتلال ويمثل الاستعمار ويرمز له في أعينهم، وكان نموذجا للتناقض بين مثل الإمبراطورية القديمة ونظرة «بريطانيا الجزيرة» (الدولة الأوروبية ذات السلطة المحدودة) منذ عام 1956م، وكان من الطبيعي أن نختلف حول كل شيء، سياسيا لما ذكرته من أسباب، واجتماعيا لأنه طلق زوجته الإيرانية وأرسل ابنه منها معها للتعلم في أمريكا، وأصبح يعيش مع امرأة تدعى جاكلين (وندعوها نحن جاكي) دون زواج، كان يتخبط في حياته بين الغرب والشرق، فهو لا يؤمن بالزواج؛ لأنه يرى فيه «مؤسسة اجتماعية» فاشلة، تتطلب من المشاركين فيها تنازلات متوالية دون أن تقدم لهم أية مزايا في مقابلها، وكان يردد دائما ما يعتبره مثله الأعلى وهو أن يعيش الإنسان لذاته لا لشخص آخر، فإذا لجأت أنا إلى طرح الحجج المعارضة قال لي “appease appease and you’re crushed!”
أي الإنسان يسعد غيره حتى يتحطم، ويبدو - والله أعلم - أن زوجته الإيرانية كانت ذات شخصية قوية فكان يضطر إلى إرضائها على حساب رغباته حتى انفصلا وأخذت الغلام وسافرت إلى أمريكا. أما علاقته بجاكي فتسمى
cohabitation
صفحه نامشخص