...ولا شك أن آثار المحبة تتعدى إلى كل ما يتعلق بالمحبوب وينسب إليه ويقرب منه على ما لا يخفى. وقال الحافظ بن حجر: استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره فأما تقبيل يد الآدمي فتكلمنا عليه في كتاب الأدب وأما غيره فنقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسا واستبعد بعض أتباعه صحة ذلك ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين. انتهى. والله أعلم. ومن ذلك الطابق الذي كان طريق آل عمر رضي الله عنه بالرواق الثاني من القبلة من تجاه جهة الوجه الشريف وله شباك في أعلا قمة من جهة القبلة وأصل هذا الطابق أن بيت حفصة رضي الله عنها ملاصقا لبيت عائشة رضي الله عنها من جهة القبلة. قال ابن زبالة: وكان بينه وبين منزل عائشة رضي الله عنها طريق وكانا يتهاديان الكلام وهما في منزلهما من قرب ما بينهما فأدخل بعض ما يحاذي المسجد منه من جهة القبلة في زيادة عمر رضي الله عنه ثم بعضه أيضا في زيادة عثمان رضي الله عنه لما زاد في المسجد من جهة القبلة فلما احتيج في الزيادة إلى بيتها قالت: فكيف بطريقي إلى المسجد فقيل لها نعطيك أوسع من بيتك ونجعل لك طريقا مثل طريقك فأعطوها دار عبد الله بن عمر، وكانت مربدا وجعلوا لها طريقا إلى المسجد فلما كتب الوليد بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز وهو عامله على المدينة الشريفة يأمره أن يزيد في المسجد وأن يدخل حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ومن أبى هدم عليه ووضع له الثمن فلما صار إلى القبلة وأراد إدخال ما بقي من دار حفصة رضي الله عنها وهو موقف الزائرين اليوم تجاه الوجه الشريف داخل الدرابزين وخارجا دعا آل عمر وقال لهم: إن أمير المؤمنين قد أمرني أن أبتاع المنزل وأدخله في المسجد فقال له عبيد الله بن عبد الله بن عمر لسنا نبيع هذا هو حق حفصة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسكنها فقال له عمر ما أنا بتارككم فلما كثر الكلام بينهما قال له عمر أجعل لكم في المسجد بابا تدخلون منه وأعطيكم دار الدقيق مكان هذا وما بقي من الدار فهو لكم قالوا: أنت وذاك فأما طريقنا فإنا لا نقطعها فهدم البيت وأعطاهم الطريق ووسعها لهم وكان قبل ضيقه قدر ما يمر الرجل منحرفا فلما حج الوليد ودخل المدينة وطاف في المسجد رأى الباب وذكر له ما جرى بينه وبين آل عمر وفي بيت حفصة فقال له الوليد أتراك قد صانعت أخوالك؟ واستمر ذلك الباب طريقهم إلى المسجد حتى عمل المهدي مقصورة على الرواق القبلي وقد أحرق في حريق المسجد الشريف فمنعوهم الدخول من بابهم فجرى في ذلك أيضا كلام كثير فاصطلحوا على أن يسدوا الباب المذكور ويجعل شباك حديد ويحفر لهم من تحت الأرض طريق يخرج إلى خارج المقصورة في الرواق الثاني في هذا الطابق الموجود اليوم وبابه مقفل يفتح أيام الأحواج هذا حاصل ما ذكره المؤرخون في أمر هذا الطابق قالوا: هذه الدار التي يتوصل إليها من هذا الطابق تسمى اليوم بدار العشرة وليست بدار العشرة وإنما هي دار آل عبد الله بن عمر. انتهى
ولم يزل هذا الطابق إلى اليوم لكن إنما يتوصل منه إلى شارع فيه دور كثيرة وعليه قفل حديد يتعثر به المار في المسجد إذا غفل عنه وليس في وجوده اليوم إلا مجرد مفسدة وذلك أني قد شاهدت بعض الناس يتعثر به وهو مقفل دائما وأما فتحه في أيام قدوم الحاج فالأكاذيب تقررت واشتهرت عند أهل المدينة الشريفة يتوصل بها بعضهم إلى أخذ شيء شبيه بالمكس يأخذونه ممن ينزل هذا الطابق من الحاج وذلك أن البيوت التي يتوصل منها إليها في جهة القبلة سموها أولا دار العشرة كما ذكره المؤرخون ثم زادوا على ذلك فسموا بعضها دار عائشة رضي الله عنها وبعضها دار فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الأكاذيب فإذا فتح هذا الطابق عند قدوم الحاج وقف عندهم جماعة يزورون من يقدم من الحجيج ولا يمكنون أحدا من الدخول منه حتى يبذل لهم ما يرضيهم فيدخلون به من هذا الطابق بين يدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهبون بهم إلى تلك البيوت التي اختلقوا لها تلك الأسماء ويقولون: هذا بيت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا بيت عائشة رضي الله عنها إلى غير ذلك من الأكاذيب ليبذلوا لهم شيئا يسيرا من الحطام.
صفحه ۱۶۰