... وقال النجم سعيد الذهلي في مقدمة تاريخه أن عسكر بغداد كان قد خرج إليهم أولا فهربوا وتبعهم عسكر بغداد وقتل البغداديون منهم خلقا وأبعدت لاويهم إلى بغداد فلما تعدوا نهر نشيرين من دجيل فتح عسكر هولاكو من نهر نشير المذكور فحال بين عساكر بغداد والرجوع إليها وحكى لي بعض الأعيان أن ابن العلقمي أنقذ أحد أصحابه وفتح ذلك النهر على جيش المسلمين والله أعلم فدهمهم عسكر هولاكو ليس لهم منجى فلم ينج منهم إلا من نجت بهم دابته من المياه والأوحال وألقي عالم عظيم في دجلة طلبا للسلامة فهلكوا لما نقل اللامة وغلقت أبواب سور بغداد ونصب عليه المناجيق وصعد من تخلف ببغداد من الرمي ويقولون: الحال ينصلح إنشاء الله فلا تظهرون حربا فبقي أياما كذلك ثم عاد إلى بغداد وعسكر هولاكو يبالغون ويرمون المناجيق حتى صعدوا على السور وتمكنوا من البلد ثم ذكر خروج ابن العلقمي إليهم ثم رجوعه وخروج الخليفة وابنه إليهم ثم قتل الخليفة ووقوع السيف في بغداد قال: وعمل السيف في بغداد مدة شهر وعشرة أيام ولم ينج إلا الطفيف من أهل بغدد وإلا أهل الحلة والكوفة فإن أكابرهم توصل إلى هولاكو في الطاعة والانقياد وقضى الله سلامة أهل البصرة لعدم تمكن العسكر من العبور إليهم بطريق المد والجزر ومسح السيف من عداهم من أهل الضياع وغيرهم سوى النصارى وخلت بغداد من أهلها واستولى عليه الحريق فحرقت المحال والأسواق واحترقت دار الخليفة والجامع الكبير بها حتى وصلت النار إلى خزائن الكتب الخاصة وعم الحريق أكثر الأماكن حتى القصور البرانية مثل الحلة وترب الرصافة مدفن ولاة الخلافة وشوهد يخت مدفن الإمام المستنصر بالله عظام الخلفاء ورؤسهم وأثار الحريق وشوهد على بعض حيطانها مكتوب:
إن ترد عبرة فهذي بني العباس... دارت عليهم الدايرات
استبيح الحريم إذ قتل الأحياء ...منهم وأحرق الأموات
ولم يسلم من الحريق إلا ما سكنه عسكر هولاكو في الوقعة، وقد جافت القتلى وامتزجت بالأوحال حتى لم يبق للمار في الأسواق موضع قدم إلا على قتيل ووجد في كثير من المواضع جثث القتلى كالتلول الكبار وشاهد من سلم من الأهوال ما لا يعبر عنه ثم عم الوباء وكثرة الموت والفنا، وثار الذباب على الناس حتى غطى الجدران ووصلت قوافل الحلة بأنواع المأكول وكانوا يتعرضون للكتب المجلدة النفيسة كل مجلد بفلس، فإن خزائن الوقوف نهبت واحترقت الكتب وألقيت تحت أرجل الدواب، وشوهد بالمدرسة المستنصرية معالف للدواب مبنية بالكتب موضع اللبن، وكذا كان بباقي سوق النظامية، قال: وبالجملة فلم يسمع في قديم الزمان بأعظم من هذه الحادثة، ويقال أن هولاكو أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسر، فعند ذلك نوى بالأمان ثم هلك ابن العلقمي في السنة المذكورة قبل شهر رجب، وخيب الله أمله، وانعكست عليه آراؤه وأكل يده ندما، فإنه بعد تلك الرتبة الرفيعة ووزارة العراق منفردا أربع عشرة سنة منفردا ولي وزارة التتار مشاركا لغيره وانحطت رتبته، حتى كان يركب كديشا فصاحت عليه امرأه: يا ابن العلقمي، هكذا كنت تركب في أيام أمير المؤمنين؟! وكان ذا حقد وغل لأهل السنة.
وكان المستعصم آخر الخلفاء العراقيين، وكانت دولتهم خمسمائة سنة وأربعا وعشرين سنة، وكان هذا الخليفة كريما حليفا سليم الباطن ولكنه كان لا يخرج عن رأي ابن العلقمي، فدبر هذه المكيدة حتى أهلكت المسلمين.
صفحه ۱۵۵