فقال مصطفى باشا: لا يهمنا أمرها، وإنما يهمنا أن نطلع على هذه الأوراق الآن.
ففتحت نميقة الحقيبة وجعلت تستخرج تلك الأوراق التي شرحت أمرها. وكانت تشفع كل ورقة بشرح خاص. وأخيرا قالت: ترى يا دولة المشير فوزي باشا أن هذه الأوراق إذا أظهرت بإزاء أوراق كمال وعصمت التي يرومون بها أن يثبتوا تهمة الخيانة على الأمراء أظهرت كالصبح لذي عينين فساد تلك. وأمكنك يا دولة فوزي باشا أن تفقأ حصرمة في عيون مصطفى وعصمت وأنصارهما.
فقهقه مصطفى باشا ورجاء، وقال الأول: أود أن أعلم يا آنسة ما الذي حملك على حفظ هذ الأوراق وتقديمها لنا لكي ندفع بها التهمة عن الأمراء؟ - الضمير والحق يا سيدي. علمت أن الأمراء سيطردون مظلومين مضطهدين بتهمة مزورة. وفي يدي براهين على براءتهم. أفلا أكون لئيمة أو شريرة أو بلا مروءة إذا كنت لا أظهر هذه البراهين؟ - بارك الله غيرتك يا آنسة. بقي أني أود يا سيدتي أن أعلم: ألست أنت التي أرسلت ذلك التلغراف بلا إمضاء إلى البرنس سناء الدين تحذرينه من زيارة الدوقة؟
فامتقعت نميقة وحارت ماذا تجيب وبقيت صامتة. فقال مصطفى باشا: إنما أسألك هذا السؤال لأن ذلك التلغراف هو الذي جاء بالنكبة على الأمراء؛ بسبب أنه كان مفتاحا لفتح باب المكيدة. ذلك التلغراف نبه الحكومة لتفتيش بيت الدوقة والعثور على تلك الرسائل التي تثبت الخيانة على الوزراء.
فقالت: ما زلت مستغربة يا سيدي فوزي باشا أن الدوقة لم تضع تلك الرسائل في الحقيبة مع سائر الأوراق التي رامت تهريبها؟! ولهذا اعتقدت أنها كانت تكيد المكيدة للأمراء؛ لكي توقعهم في يد الحكومة، فكانت تشتغل لأجل مصطفى كمال. ولا ريب أن تلك الأموال التي كانت تنفقها بغزارة كانت من خزينة حكومة مصطفى كمال اللص البلشفي.
فامتقع لون مصطفى باشا وهو يسمع شتيمته بأذنيه صامتا، وإنما أخفى امتقاعه بضحكة مصطنعة اشترك بها رجاء، وقال: إذن كانت الرسالة منك للبرنس سناء الدين، وأستغرب أنك خصصته بها دون غيره من الأمراء. - اختصصته بها إكراما لروح بنته التي كانت صديقتي في أيام المدرسة.
فقال الغازي: يظهر أن هذه العشرة الطويلة جعلت خطك كخط بنته نميقة، حتى إن البرنس لما رأى نسخة التلغراف الأصلية صاح: «هذا خط بنتي! إن روح بنتي حاضرة.» أليس هكذا حدث يا رجاء الدين أفندي؟
فقال رجاء الدين: لم أسمع بهذه الحكاية يا باشا. ربما حدثت حين كنت سجينا.
فضحك الغازي وقال: لا. لعلك لم تسمع بها لأنها لم تنشر في الصحف، وأنت لا تعرف إلا أخبار الصحف. أظن حضرة الآنسة قد جادت بكل ما عندها.
فقالت نميقة: نعم يا سيدي المشير، وأظن هذه المعلومات كافية لتبرئة الأمراء، فحبذا أن ترغم بها أنف مصطفى كمال.
صفحه نامشخص