فقد يجاوب: «لا» أو «أي مشير؟»
فيجيبه: فوزي أو فوزي باشا.
على هذا النحو كان رجاء يحاول أن يستفهم من القادمين من الآستانة، ومع ذلك لم يستطع أن يهتدي إلى ذلك الرسول، فعزت حيلته. وكاد القطار يصل قبل أن يبلغ هذه الأمنية. فما كان منه إلا أن قصد إلى سائق القطار وقدم له ورقة كتلك التي قدمها للمفتش بعد أن كتب عليها: «أطلب إيقاف القطار حيث هو الآن إلى أن آمر بتسييره.»
وبعد مناقشة قليلة أذعن سائق القطار وأوقف قطاره، فظن الركاب أن سبب توقف القطار عطل بسيط وسيسير بعد قليل.
أما رجاء فرأى أن خير وسيلة لعرقلة معلومات فوزي باشا هي أن يؤخر القطار ريثما يضيق ذرع النواب وينفد صبرهم، فيقترعون غير منتظرين معلومات فوزي باشا. ثم خطر له خاطر آخر فجاءة وقال لنفسه: ألا يمكن أن يكون الرسول في إحدى حجرات الحريم؟
وفي الحال جعل يطوف على حجرات الحريم واحدة واحدة، إلى أن اشتبه باثنتين مؤتزرتين مقنعتين باليشمق، وثالثة بغير إزار وبقبعة ولكنها مقنعة بقناع قليل الشفافية - فوال كثيف. فلما وقع نظرها عليه رأى في بدنها خلجة ظاهرة. ثم أغضت نظرها مطرقة، وقدمت إليه التذكرة ويدها ترتجف كثيرا، فتناولها منها وأبقاها معه. وفحص تذكرتي السيدتين الأخريين. وخرج حالا وقال للمفتش الآخر: افتح حجرة فارغة واستدع إليها السيدة ذات القبعة والقناع الكثيف التي في هذه الحجرة حالا. وقل لها أن تقابل المفتش الكبير لأجل مسألة تخص تذكرتها.
ثم دخل رجاء إلى الحجرة التي فتحها المفتش وانتظر. وما هي إلا دقيقة حتى دخلت المرأة ذات القبعة ترتجف وتقشعر، وأقفل رجاء الباب وهو يقول: أظن أن حضرة الهانم تريد أن تستوثق أني مفوض من قبل المشير فوزي باشا لاستقبالها.
فلم تجب، فقال: ثقي يا هانم أني مندوب من قبله لمقابلتك قبل أن يصل القطار إلى أنقرة، لكي أقول لك كلاما عن لسانه.
فلم تجب. بل كانت تزداد اضطرابا، فقال: لا تخافي يا سيدتي. ثقي أني من قبله، وهاك التلغراف الذي ورد إليه مبشرا بقدومك إليه. فهل المعلومات التي معك له شفهية أو مكتوبة؟
فازدادت انتفاضا وسمعها تقول بصوت خافت : ويحك! ويلي! ويحي! بالله! إلى غير ذلك. فما كان منه إلا أن رفع النقاب الكثيف عن وجهها. فلما وقعت عينه على عينها انتفض جازعا وارتد إلى الوراء قائلا: ويلي! أطيف نميقة أم حقيقتها؟ يالله! لقد تصورتك حية ترزقين حين كان ذلك السجين رامي القنبلة على مصطفى كمال يصف حادثة عودتك من عالم الأموات إلى العالم البشري ثانية، وقد غالطت ظني كثيرا، لأني كنت أقول: إن الملجأ الذي تلجئين إليه في حياتك الثانية هو أنا لا سواي. يالله! أحقيق أن الله ردك إلي؟
صفحه نامشخص