وأفاض في شرح الثاني منهما، وهو: تعظيم الأمر والنهي؛ بذكر منزلته، وعلامات تعظيم الأوامر والنواهي، مُضَمِّنًا ذلك أبحاثًا وتحقيقاتٍ جليلة.
ثم ابتدأ شرح الحديث الذي أقام الرسالة عليه (^١)، وأدار مباحثها حوله، (حديث الحارث الأشعريّ المتقدم)، فشرح الأوامر الأربعة الأولى الواردة فيه -مع أمثالها (جمع مِثال ومَثَل) - أمرًا أمرًا: التوحيد، ثم الصلاة، ثم الصيام، ثم الصدقة.
وهو في خلال ذلك يستطردُ إلى فوائد ولطائف يَنْجَرُّ إليها البحثُ، وتستدعيها مناسبةُ المقام، على طريقته المعهودة في هذه الصناعة، صناعةِ التأليف.
ثم تَخلَّص بعد ذلك (^٢) إلى الحديث عن الأمر الخامس الأخير:
_________
(^١) قال المصنف (ص: ٢٠٥): " .. فهذا مطابقٌ لحديث الحارث الأشعريِّ الذي شرحناه في هذه الرسالة".
(^٢) هذا التخلُّصُ هو المسلك البديع الذي أشرنا إلى سلوك المصنِّف له في هذا الكتاب، وهو من محاسنِ البلاغة في النَّظْم، وضُروبِ التَّفَنُّنِ في الإنشاء. وقد استخدمه المصنفُ هنا في صناعة التأليف. وهو شيءٌ طريف.
قال ضياء الدين بن الأثير (ت: ٦٣٧) في "المثل السائر" (١/ ١٢١) و"الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور" (١٨١): "فأمّا التخلُّص فهو أن يأخذ مؤلِّف الكلام في معنى من المعاني، فبينا هو فيه إذْ أَخَذ معنًى آخر غيره، وجَعَل الأول سببًا إليه، فيكون بعضُه آخذًا برقاب بعضٍ، من غير أنْ يَقْطَع المؤلف كلامه ويستأنف كلامًا آخر، بل يكونُ جميع كلامه كأنما أُفْرِغ إفراغًا" وصنيعُ المصنِّفِ ليس مطابقًا لهذا، ولكنه منهُ بسببٍ.
المقدمة / 24