موضوعُ الكتاب ومنهجُ المصنِّف
* موضوع الكتاب: رسالةٌ بعث بها ابنُ القيِّم إلى بعض إخوانِه، كما يقول تلميذه "علي بن محمد بن علي بن حميد الحنبلي البعلي" في صدر نسخته التي وصلتنا بخطه، وهي فائدة لم تذكر -فيما رأيت- في شيء من المصادر المعتنية بالإمام وتصانيفه.
وقطبُ رحى الرسالة، وإنسانُ عينها، كما يشيرُ إليه العنوانُ الذي اختاره المصنِّفُ لها = يدور على بيان فضل ذكر الله ﷿، وعظيمِ أثره وفائدته، وجليل مكانته ومنزلته، ورفيع مقامِه ودرجتِه، وجزيلِ الثواب المُعَدِّ لأهله، المُتَّصِفين به، في الآخرة والأولى.
وقد سلك المصنِّف لعرض هذا الموضوع مسلكًا -في التأليف- بديعًا غير مألوف، وانتهج له فيه سبيلًا غير مطروقةٍ، وأخذ بيدِ قارئه، فمازال به يُمهِّد له القول، ويبعثُ فيه الشّوق، وهو يَجُوزُ به الطريق منزلةً منزلةً = حتى وقع به عليه، دون أن تَلْحَقه وحشةٌ، أو يعتريه ملال.
ذلك أنه لم يَصْمُد إليه صَمْدًا، ولا قصده بالقول من أوّل الأمر، وإنما جعله ضمن شرحه لحديث الحارث الأشعريِّ الطويل: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات. . ." الحديث، فجاء في موضعه منه غايةً في الانسجام ولُطفِ التدبير.
افتتح المصنّفُ الكتابَ بمقدّمة لطيفةٍ ذكر فيها الطِّباق التي لا يزالُ العبدُ يتقلَّبُ فيها دهرَه كلَّه، وأشار إلى حظِّ الشيطان منه، ومداخله إليه، ثمَّ ابتدأ فصلًا نافعًا عن استقامة القلبِ، وبيَّن أنها تكون بشيئين،
المقدمة / 23