بسم الله الرحمان الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم
سألتني رحمك الله أن أكتب لك كتابا أبين لك فيه أصول الدين التي اختلفت فيها الأمة حتى صاروا طرائق قددا، وأفراقا مختلفة { كل حزب بما لديهم فرحون } (¬1) مستبشرون. وسأكتب لك من ذلك - إن شاء الله- ما لا يعتري معتريه الشكوك ولا يتعذر على المبتدئ حفظه بأبلغ ما حضر لي من البيان، وبالله أبتدئ وبه [التوفيق] (¬2) والتمام. وأقول:
¬__________
(¬1) سورة الروم: 32.
(¬2) + من ر.
صفحه ۴۸
الحمد لله المسهل على عباده (¬1) سبيل ما تعبدهم به، وهو الموفق للصواب والهادي للرشاد، الذي جعل الظلمات والنور { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } (¬2) وأرسل محمدا { بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } (¬3) وأنزل عليه كتابا مبينا، ونورا ساطعا، ولم تبتل الأمة بشيء بعده إلا جعل لهم مخرجا منه، وفرقانا [بينا] (¬4) بين فيه الرد على جميع من خالف الحق من مشرك ومنافق { ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حي عن بينة } (¬5) لئلا يؤتى أحد بشبهة من قبله.
¬__________
(¬1) ب: أوليائه.
(¬2) سورة الأنعام: 01.
(¬3) سورة التوبة: 33.
(¬4) - من ت، ر. وفي ج: وبين.
(¬5) سورة الأنفال: 43.
صفحه ۴۹
وقيل للنبي عليه السلام: من لنا بعدك يا رسول الله ؟ فقال: « تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا [أبدا] (¬1) . كتاب الله (¬2) » وقال: « ستأتي فتنة، ثلاثا » قيل له: " ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال: « كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل (¬3) الله المتين، والنور المسببين، والذكر الحكيم، والصراط /[3] المستقيم. لا تميل به الأهواء، ولا تشبع منه (¬4) العلماء، ولا يخلق من كثرة الرد. من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به أفلح، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم» (¬5) . وإن أولى الناس بالحق من اتبع كتاب الله، وجعل محكمه إماما لمتشابهه (¬6) ، ولم يؤمر عليه القياس وما تهوي الأنفس، كما قال الله تعالى: { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات إلى قوله ابتغاء تأويله } (¬7) . فعيرهم بذلك فجعل محكمه جامعا لفتوى كثيرة من العلم بحكمة الحكيم الأعلى [ وقال: { واعتصموا بحبل الله جميعا } (¬8) ] (¬9) وقال: { واتبعوا النور الذي أنزل معه } (¬10) فأول ذلك وبالله التوفيق، وما عصمتنا إلا بالله، أن أصول الدين عشرة.
الأصل الأول منها
¬__________
(¬1) + من ب.
(¬2) انظر الحديث في مسند الربيع بن حبيب (الجامع الصحيح)ج1/14. وورد في سنن أبي داود، مناسك، 56. وابن ماجه، مناسك84. والموطأ، قدر،3. وأحمد بن حنبل3، 26.
(¬3) 10) ج: وحبل.
(¬4) 11) ج: به.
(¬5) 12) البخاري: فتن1. إيمان 12. ابن ماجه: فتن9، 16.
(¬6) 13) ت: لمشابهته.
(¬7) 14) سورة آل عمران: 07.
(¬8) 15) سورة آل عمران: 103.
(¬9) 16) ما بين معقوفتين سقط من ج.
(¬10) 17) سورة الأعراف: 157.
صفحه ۵۰
في التوحيد (¬1)
قد اجتمعت الأمة على أن الله واحد (ليس كمثله شيء)، وأنه لا نظير له في بريته. وبذلك الإقرار يخرجون من الشرك وأحكامه ويدخلون في أحكام التوحيد كلها. وقال الله عز وجل في محكم كتابه: { ليس كمثله شيء } (¬2) . وقال: { قل هو الله أحد، الله الصمد. لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد. } (¬3) . وفي قوله ليس كمثله شيء نفي لجميع صفات الحدث والعجز، وهي آية محكمة، ومعناها: ليس شيء كهو. والواحد الذي لا ثاني له (¬4) وهو كلام محكم ينتظم جميع [التوحيد] (¬5) والنفي لجميع صفات المخلوقين، وفيه الرد على جميع من ألحد في صفات الله تعالى. ولا واحد في الحقيقة إلا الله، إذ الواحد من الخلق ينعد مع غيره ويجري عليه العدد، والله لا يجري عليه العدد ولا التبعيض فينعد مع غيره [بخلاف المخلوق] (¬6) . ولم يعلم الله من لم يوحده بصفاته ويفرزها من صفات غيره، ولا يعلم الشيء من لم يعلم حقيقة ما هو به من صفاته.
¬__________
(¬1) من المتفق عليه أن الإباضية والخوارج أصحاب توحيد مثلهم مثل المعتزلة، ولعلهم سبقوا المعتزلة في ذلك. انظر عمار طالبي: آراء الخوارج الكلامية (السابق)، ج1/140. أبو زكرياء الجناوني: قواعد الإسلام، ط1، ج1/33-34. محمد بن يوسف اطفيش: الذهب الخالص، تحقيق أبو إسحاق إبراهيم اطفيش، طبع المطبعة السلفية بمصر 1343 ه، ص23، وانظر باب في التوحيد، في كتاب شرح الرد على الجهالات، لأبي عمار عبد الكافي، نسخة مرقونة بتحقيقنا ص160 وما بعدها.
(¬2) سورة الشورى: 11.
(¬3) سورة الإخلاص: 1-4.
(¬4) في ج، م، ب: معه.
(¬5) من ج.
(¬6) + من ج.
صفحه ۵۱
ومعنى الصمد:السيد الذي قد انتهى في السؤدد (¬1) . والذي يصمد إليه الخلائق/[4] في حوائجهم. ولم يكن له كفؤا أحد: لم يكن له أحد كفؤا. والكفء: الند، والنظير. تعالى الله على (¬2) الأنداد علوا كبيرا، ولهذا شواهد ودلائل في لغة العرب تركتها لئلا يطول بها الكتاب (¬3) . وقيل في معنى الواحد: إنه واحد في الخلق والإرسال والإنزال، لا واحد يفعل مثل فعله، ولا شريك له فيه - عز وجل عن ذلك - ورد هذه الآيات وآيات كثيرة من كتاب الله وما أجمعوا عليه، من زعم أن الله جسم وصورة على كثرة اختلافهم، وذلك أن منهم من زعم أنه نور يضيء من جميع الجهات. ومنهم من زعم [أنه] (¬4) على صورة آدم، ومنهم من زعم أنه جسم ونفى عنه صفة الأجسام. وكلهم يدعي الرؤية (¬5) والاستواء (¬6)
¬__________
(¬1) م. تزيد بعدها: خلقه.
(¬2) ج، ب: عن.
(¬3) 7*) انظر مادة: (صمد وكفي) في لسان العرب.
(¬4) + من ج، م. وفي ب: أنه جسم.
(¬5) إن جمهور الإباضية ينفون رؤية الله تعالى يوم القيامة، فهم ينزهون الله عن أن يكون جسما مرئيا، فهم يقولون: أن الله لا يرى في الدنيا ولا تمكن رؤيته في الآخرة مثل كذا وكذا فمثله بشيء من خلقه، أو حد له مكانا دون مكان، أو وصفه بنهاية أو أطراف فهو مشرك عندهم، (انظر في آخر هذا الكتاب " مسألة في الرؤية " ص175. وفي جميع كتب الإباضية).
(¬6) 10) هي من قوله تعالى { الرحمان على العرش استوى } أي استوى أمره وقدرته فوق بريته. وقال الحسن: ارتفع ذكره وثناؤه ومجده على خلقه. ولا يوصف الله تبارك وتعالى بزوال من مكان إلى مكان. وفي قوله تعالى: { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } أي استوى أمره وقدرته إلى السماء. وقوله تعالى: { ثم استوى على العرش } يعني استوى أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه، ولا يوصف الله بصفات الخلق ولا يقع عليه الوصف كما يقع على الخلق..انظر، الجامع الصحيح (مسند الربيع بن حبيب الفراهيدي) بترتيب أبي يعقوب الورجلاني، طبعة مكتبة الاستقامة سلطنة عمان، سنة 1388ه.ج2/238-239.
صفحه ۵۲
على المعقول، وكلهم رادون لمحكم كتاب الله، لأن الجسم (¬1) وما يوصف بصفاته هو المنعد المؤلف الأجزاء الذي لا ينفك من ست جهات: أمام وخلف، ويمين وشمال، وتحت وفوق، وملاصق (لشيء) (¬2) ، ومباين للآخر. ولا بد له من مكان يحويه وقرار يستقر فيه. وهذه معاني الجسم وصفاته من الطبيعة التي لا تزايله إلا بذهابه، وهي تدل على حدثه وحاجته إلى محدث. وإلا بطلت الدلائل والنظائر.
¬__________
(¬1) 11) حقيقة الجسم عند البرادي (الإباضي): هو المنقسم على أصول القوم، وهو المتحيز على أصول الإباضية. ولا فرق بينه وبين الجوهر عندهم. والمتحيز عند الإباضية منقسم وبيان ذلك أن الجهة الموالية الشرق غير الجهة الموالية الغرب، وذلك في سائر الجهات، ولا يتقرر عندهم متحيز غير منقسم وإن صغر ودق. انظر كتاب " الحقائق " للبرادي ضمن مجموع به خمس رسائل، ص34.
(¬2) 12) - من م.
صفحه ۵۳
وأي شيء يتقون به ويحتجون [على الدهرية] (¬1) المبطلة الذين أثبتوا قدم الجواهر على كثرة الأدلة على (¬2) حدثها من أن الجسم لا ينفك عن أعراض تحله وتتداول عليه لا يسبقها ولا يتخلف عنها، فما لم يسبق الحدث فحدث (¬3) مثله، وما لا يتخلف (¬4) ولا يبقى بعد الفاني ففان مثله. وقالوا: إنما زعمنا أن الله جسم ونور كما زعمتم أنه شيء وموجود وحي وفاعل، والحي الفاعل لا يكون إلا جسما فيما شهدنا - زعموا - قلنا لهم وبالله التوفيق: إن الله تبارك وتعالى أخبر عن/[5] نفسه أنه حي فاعل وأنه شيء موجود ولم يخبر في شيء من أخباره أنه جسم ولا صورة كما زعمتم، بل أخبر أنه ليس بجسم ونفى عن نفسه الجسمانية في قوله: { ليس كمثله شيء } . وقوله: { هل تعلم له سميا } (¬5) وقوله: { وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم } (¬6) وقوله: { وهو معكم أينما كنتم } (¬7) وقوله: { ونحن أقرب إليه منكم } (¬8) و { أقرب إليه من حبل الوريد } (¬9) وقوله: { وما كنا غائبين } (¬10) ومثل هذا من كتاب الله كثير مما يدل [على] (¬11)
¬__________
(¬1) 13) + من ب، ج، م. وهذه الكلمة مأخوذة من الآية: { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر } (الجاثية: 24)، وتطلق كلمة الدهرية على أولئك الذين أنكروا الاعتقاد بوجود الله وأنكروا خلق العالم والعناية الإلهية، ولم يسلموا بما جاءت به الأديان الحقة، وقالوا بقدم الدهر، وأن المادة لا تفنى. انظر، الملل والنحل للشهرستاني، ج2/113. وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار(السابق)،ص124.
(¬2) 14) م، ح، ر: في.
(¬3) 15) ج، م، ح: فحادث.
(¬4) 16) ت: يختلف.
(¬5) 17) سورة مريم: 65.
(¬6) 18) سورة الأنعام: 03.
(¬7) 19) سورة الحديد: 04. وجاء في جميع النسخ: { وهو معكم أينما كانوا } وهذا ليس بقرآن كريم.
(¬8) 20) سورة الواقعة: 85.
(¬9) 21) سورة ق: 16.
(¬10) 22) سورة الأعراف: 07.
(¬11) 23) + من ج..
صفحه ۵۴
أن الله ليس بجسم، مع أنا إذا قلنا: حي فاعل، عالم، قادر: فهذه صفات المدح قد نفت عنه صفات الذم والنقص، لأن من (¬1) ليس بحي فهو ميت، ومن ليس بقادر فهو عاجز ومن ليس بعالم فهو جاهل. ومن ليس بشيء ولا موجود فهو عدم وبطلان (¬2) ، لأنك إذا قلت ليس بشيء أبطلت. وإذا قلت ليس بجسم لم تنف إلا جسما مخصوصا، وصنفا مشهورا عاجزا محتاجا كما وصفنا.
¬__________
(¬1) 24) - من م.
(¬2) 25) في ت: معدوم وبصلا، وما هو مثبت من بقية النسخ.
صفحه ۵۵
ومعنى حي أنه لا يجري [عليه] (¬1) الموت، ولا يكون في صفات الأموات. وفاعل وسميع أي قادر لا يجري عليه العجز ولا يشبه العاجزين، وكذلك في عالم وسميع وبصير، وجميع ذكر الأسماء والصفات العلى والأسماء الحسنى. وإن اتفقت الألفاظ لم تتفق المعاني، ولا يشبه الخلائق خالقها بوجه من الوجوه ولا بمعنى من المعاني، ولا في صفة ولا في ذات ولا فعل، إذ يفعلون بعلاج ومئونة ومباشرة، والله فاعل لا بعلاج ولا مئونة ولا بحركة وسكون. { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } (¬2) قول فعل لا قول مخاطبة. ولم يعلم الله بكنه صفته ويفرزه (¬3) بحقيقة التوحيد من لم يفرز صفته من/[6] صفات (¬4) المخلوقين، ويعلم أنه لم يزل كما ذكرنا.
¬__________
(¬1) 26) + من ب، م، ج.
(¬2) 27) سورة يس: 82.
(¬3) 28) هو فعل فرز فرزا، وفرزت الشيء وأفرزته إذا قسمته. والفرز: النصيب المفروز لصاحبه، واحدا كان أو إثنين. وفرزه يفرزه فرزا , وأفرزه: مازه. وقال الجوهري: الفرز مصدر قولك فرزت الشيء أفرزه إذا عزلته عن غيره ومزته، والقطعة منه فرزة (بالكسر) وفارز فلان شريكه أي فاصله وقاطعه. قال بعض أهل اللغة: الفرز قريب من الفرز: تقول: فرزت الشيء من الشيء أي فصلته. انظر في هذا مادة فرز في لسان العرب لابن منظور: ج5/391. ومتكلمي الإباضية كثيرا ما يذكرون قضية الفرز بين الأشياء مثلا: الفرز بين اللمم والكبائر وبين الإنس والجن وبين الإنسان والملائكة وبين التوحيد والإيمان، وبين المعصية والكفر أو الكفر والشرك، إلخ... أنظر مثلا: كتاب شرح الرد على الجهالات لأبي عمار عبد الكافي الإباضي بتحقيقنا، ص193-194. و ص218-219.
(¬4) 29) ج: صلاة.
صفحه ۵۶
والدليل على صواب ما ذكرنا أنهم مجمعون على أن من وصف الله بصفته على ما هو به فهو موحد، وذلك الوصف منه توحيد، فكيف يكون توحيدا وموحدا من لم يفرزه من صفات خلقه ؟ وأن الله إنما خاطب الخلق بما يفهمون من لغاتهم كما قال { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } الآية (¬1) فبين لهم في قوله: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (¬2) أن يؤمنوا بغيب الإيمان، ويصدقوا بما لا تقدره عقولهم، ولا تمثله أفكارهم لأن العقول، لا تدرك إلا ما أدت إليه الحواس أو مثله، أو ما علموا بالدلالة والقياس على (¬3) ذلك. وفي دلالة الأنبياء عليهم الصلاة (¬4) والسلام بيان شاف وحجة بالغة على من ألحد في صفات الله تعالى حين استشهدوا على قومهم، واحتجوا عليهم بخلقه، ولم يمثلوه بغيره، ولم يصفوه بصفة خلقه. وقال إبراهيم عليه السلام إذ حاجه الكافر: { ربي الذي يحي ويميت } (¬5) قال الكافر: { أنا أحي وأميت } (¬6) ولو أراد إبراهيم (¬7) أن يحتج عليه في ذلك لاحتج ولكن أراد (¬8) حجة لا يجد عنها محيدا فقال: { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } (¬9) إذ أتى بآية لا يقدر البشر أن يأتي بها. ولو أن أحدا يفعل مثل أفعال الله تعالى لأشبهه، لأن في اشتباه الفعلين اشتباه الفاعلين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
¬__________
(¬1) 30) سورة إبراهيم: 04.
(¬2) 31) سورة الشورى: 11.
(¬3) 32) ج: عن.
(¬4) 33) + من ج.
(¬5) 34) سورة البقرة: 258.
(¬6) 35) سورة البقرة: 258.
(¬7) 36) ج: الخليل.
(¬8) 37) ج، م: زاد.
(¬9) 38) سورة البقرة: 258.
صفحه ۵۷
وقال موسى [عليه السلام] (¬1) لفرعون حين سأله عن ربه فقال: { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } (¬2) وقال: { رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين } (¬3) وقال: { ربكم ورب آبائكم الأولين } (¬4) ، وقال: { رب المشرق والمغرب وما بينهما /[7] إن كنتم تعقلون } (¬5) ولم يقل له: جسم ولا نور، ولم يمثله (¬6) بشيء من الأشياء، ولا (¬7) يحد له مكانا دون مكان كما زعمت المشبهة، كما قال إبراهيم { لا أحب الآفلين } (¬8) يعني الزائل المتنقل (¬9) لا يرض أن يكون له ربا وإلاها. وجاءت الأنبياء كلهم عليهم السلام بإفراد الله ونفي الأشباه (¬10) عنه تعالى، وقد نزه نفسه عن الشبه في قوله { سبحانه وتعالى عما يشركون } (¬11) . وبلغنا أنه إنما (¬12) نزلت هذه الآية في اليهود (¬13)
¬__________
(¬1) 39) ما بين معقوفتين زيادة من ج.
(¬2) 40) سورة طه: 50.
(¬3) 41) سورة الشعراء: 26.
(¬4) 42) سورة الشعراء: 26.
(¬5) 43) سورة الشعراء 28. قال أبو عمار عبد الكافي: وهذا مما لا يقدرون له على جحود ولا إنكار لأنها تتطلع لهم في كل بكرة وتغيب كل عشية، فلما أن سمع عدو الله (فرعون) ما لا يقدر على دفعه صار إلى المكابرة والمباطشة، فقال: { لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين } الشعراء 29. ففي كل ذلك يدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ربه بما ظهر من بدائع أفعاله مما لا يقدر متعاط على مثلها ولا منكر على جحودها. انظر في هذا كتاب: شرح الرد على الجهالات (السابق)، ص182/183.
(¬6) 44) م: لا.
(¬7) 45) ج: ولم.
(¬8) 46) سورة الأنعام: 76.
(¬9) 47) ت، ح، م، ر: المنتقل.
(¬10) 48) ح، ر: الأشياء.
(¬11) 49) سورة النحل: 01.
(¬12) 50) - من ب، وفي ج، م: لما.
صفحه ۵۸
(¬13) 51) قارن بما يراه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير للآية المذكورة في سورة النحل، ج14،ص98..وفي سورة يونس:18، ج11،ص124-125 حين قالوا للنبي عليه السلام: إن كنت نبيا فصف لنا ربك كيف هو ؟ فقال لهم : فكيف أمثل (¬1) من خلق السماوات والأرض (¬2) ؟ فقالوا: لست إذا بنبي، وقالوا: بل هو كذا وكذا. فأنزل الله في ذلك (¬3) قرآنا تكذيبا لقولهم وردا عليهم: { سبحانه وتعالى عما يشركون } (¬4) . وقال: { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } (¬5) . يعني ما عرفوه حق معرفته، فنسبهم إلى جهله والشرك به، وأخبر أنه: { تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن } (¬6) وقال: { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } (¬7) يريد - والله أعلم بحقيقة التفسير - أن الخلق كله يدل على أن الله واحد لا يشبههم ولا يشبهونه بوجه من الوجوه، ولا بمعنى من المعاني وإن دق ورق، لأنه (¬8) لو أشبههم بمعنى (¬9) للزمه (¬10) ما لزم ذلك المعنى من الذل والحاجة (¬11) ،
¬__________
(¬1) 52) ب، م: كيف.
(¬2) 53) - من: ن. وانظر في هذا الحديث وتفسيره في الجامع الصحيح (مسند الإمام الربيع بن حبيب) السابق، ص233.
(¬3) 54) من ج.
(¬4) 55) سورة يونس: 18. سورة النحل: 01. لأن الصفة التي كانت منهم شرك . فنزه الله نفسه عما يقولون و يشركون.
(¬5) 56) سورة الأنعام:91.وانظر في هذا أيضا الجامع الصحيح(مسند الربيع بن حبيب)،ص233.
(¬6) 57) سورة الإسراء: 44.
(¬7) 58) سورة الإسراء: 44.
(¬8) 59) - من: م.
(¬9) 60) م: معنى.
(¬10) 61) م: لزمه.
(¬11) 62) قال أبو عمار عبد الكافي: وأما الحاجة التي وصف بها الخلق فإنها ثلاث صفات تحتوي على جميع المخلوقات جسمها وعرضها: الحدث والحاجة، والعجز، فأما حدثها فبالصفات المحدثة الجارية عليه، ولا ينفك منها. وأما الحاجة فهي حاجة المحدث إلى محدث يحدثه لأن المحدث غير منفك من أحد ثلاثة أشياء: إما أن يكون حدث بغير محدث أحدثه، أو يكون أحدث نفسه أو أحدثه غيره... ولما كان الخلق ذليلا مقهورا مغلوبا مربوبا..وذلك أنهم نظروا إلى الخلق فوجدوه ذليلا، فعرفوا أن له مذلا عزيزا أذله و وجده مقهورا فعرفوا أن له قاهرا يقهره و مربوبا فعرفوا أن له ربا يملكه لأن الذليل المقهور المغلوب المربوب لا يكون عزيزا مذلا لغيره، ولا قاهرا ولا غالبا، ولا ربا، فكيف يصح أن يكون عزيزا ذليلا وعاهرا مقهورا وربا مربوبا ؟ وهذا محال فاسد. وبهذه المعاني عرفوا أن الخالق لا يكون في صفة الخلق. انظر: كتاب شرح [ الرد على ] الجهالات، بتحقيقنا، ص70 و 84.
صفحه ۵۹
وإلا بطلت دلالة الخلق على نفسه أن له خالقا. والتسبيح من الخلق هو التنزيه، والتنزيه نفي شبههم وصفاتهم، وذلك موجود في اللغة، تقول: لم يزل الله نفى عن نفسه شبه الأشياء. ويقولون: النار نفت عن نفسها البرودة، أي كذلك كانت حارة ليست بباردة، ودل الفعل/[8] كله على أنه لا يشبهه فاعله، ولو أشبهه لكان الفاعل فعلا والفعل فاعلا والله أبعد أن يشبه فعله وأشد خلافا لهم في خلاف بعضهم لبعض، لأنه قديم وهم محدثون وصفات الحدث عنه كلها منفية. وأما ما احتجوا به من قوله تعالى: { الله نور السماوات والأرض } (¬1) وقوله (¬2) : { يد الله فوق أيديهم } (¬3) : { تجري بأعيننا } (¬4) و: { في جنب الله } (¬5) ونفسه، وأشباه هذا من الآيات المتشابهات (¬6) والروايات عن النبي عليه السلام، فأغفلوا فيه النظر وحملوه على غير تأويله وتركوا قول الله عز وجل: { ليس كمثله شيء } وقوله: { هل تعلم له سميا (¬7) } وقوله: { الواحد القهار } (¬8)
¬__________
(¬1) 63) سورة النور: 35. ذكر المؤلف هذه الآية و الآيات بعدها ردا على المشبهة والمجسمة لأنه لا يجوز على الله عز و جل أن يقال: إنه في موضع كذا ولا في موضع كذا من الدنيا و الآخرة و لا من الجنة و النار، ما خلا القول بأن الله في السماوات وفي الأرض أتباعا لقوله عز وجل في هذه السورة أوفي سورة الزخرف -84- « وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله » وما سوى ذلك من الأماكن والخلق إنما يقال « إنه في كل مكان » ولا يقصد بذلك ما يوهم التحديد . أنظر في ذلك بتفصيل أكثر- شرح الرد على الجهالات (السبق) ص 383/384.
(¬2) 64) م: قول الله.
(¬3) 65) سورة الفتح: 10.
(¬4) 66) سورة القمر: 14.
(¬5) 67) سورة الزمر: 56.
(¬6) 68) ج: المتشابهة.
(¬7) 69) سورة مريم: 65.أنظر في تفسيرها وآراء المتكلمين فيها، كتاب شرح الرد على الجهالات (السابق) ص 146.
(¬8) 70) سورة يوسف: 39. الرعد: 16. إبراهيم: 48..ص:65. الزمر: 04. غافر: 16.
صفحه ۶۰
وقول النبي عليه السلام: « من وصف الله بشبه أو مثل لم يعرفه (¬1) » واعلم أن معنى النور في اللغة الجارية بين الناس الذي لا ينكره أحد من أهل اللغة: الهاد، يقول الناس للعالم: نور البلاد، والهدى: نور، وقال الله تعالى: { وجعل الظلمات والنور } (¬2) وقال: { [الله ولي الذين آمنوا] (¬3) يخرجهم من الظلمات إلى النور } (¬4) يعني من الكفر إلى الإيمان.
¬__________
(¬1) 71) مسند الربيع بن حبيب: حديث (835) + (836)، ص217-218.
(¬2) 72) سورة الأنعام: 01.
(¬3) 73) ما بين معقوفتين سقط من ج، م.
(¬4) 74) سورة البقرة: 257.
صفحه ۶۱
وفي قوله: { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } (¬1) فمثل هذا النور إلى المصباح ما يدل على صواب ما قلنا أنه الإيمان في قلب المؤمن. ومن كلام النبي عليه السلام: «احذروا فراسة المؤمن، فإنه بنور الله ينظر، وكاد أن يبصر الحق بقلبه وإن لم يخبر به، ويميز بين الحق والباطل بنور الله الذي أعطى له » (¬2) وقد سمى الله القرآن نورا في غير موضع من كتابه، كما سماه هدى ورحمة.وأما ما ذكر من اليد والقبضة (¬3) فهو [على] (¬4) الغلبة (¬5) والقدرة. وقال الله في داوود عليه السلام والأنبياء عليهم السلام: { واذكر عبدنا داوود ذا الأيد } (¬6) و { أولي الأيدي والأبصار } (¬7) /[9] أي أولي القوة في الدين، والبصيرة فيه. ولا يمدحهم على الجوارح لأن كل بني آدم لهم الجوارح. ويقولون: هذا الأمر في يدي وقبضتي، قال الله عز وجل: { فرهان مقبوضة } (¬8) وقال: { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } (¬9) واليد أيضا يطلق على المنة والنعمة، وقال: { يد الله فوق أيديهم } (¬10)
¬__________
(¬1) 75) سورة النور: 35.
(¬2) 76) لم أتمكن من معرفة هذا الحديث.
(¬3) 77) حول تفسير الإباضية لليد والقبضة واليمين انظر: الجامع الصحيح (مسند الإمام الربيع بن حبيب) (السابق)، ص233 و 234 و 235.
(¬4) 78) + من ج، ح، ر، م.
(¬5) 79) ر: القهر. وفي ج، ح، م،: القهر.
(¬6) 80) سورة ص: 17.
(¬7) 81) سورة ص: 45.
(¬8) 82) سورة البقرة: 283.
(¬9) 83) سورة البقرة: 237.
(¬10) 84) سورة الفتح: 10..يرد المؤلف على الذين غلطوا في تفسير المتاشبه وتأولوه فأخطأوا من حيث لا يشعرون وذلك أن المشبهة تأولوا هذه الآية وغيرها من الآيات مثل قوله تعالى: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } (الزمر: 67) وقوله: { تجري بأعيننا } (القمر: 14) في مثل هذا من متشابه القرآن فحملوه على معنى التشبيه بغلطهم في معاني اللغة وما يجوز على الله عز وجل وما لا يجوز... انظر عن هذا: كتاب شرح الرد على الجهالات (السابق)، ص328 وما بعدها.
صفحه ۶۲
أي منته عليهم أعظم من منتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيعتهم له. وقال: { يمنون عليك أن أسلموا } (¬1) وقال الله للنبي عليه السلام: { قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم } (¬2) وفي هذا أنزلت الآية. وقال النبي عليه السلام: « اللهم لا تجعل عندي يدا بيضاء أحمده عليها، ولا تجعل لمؤمن عندي يدا سوداء أبغضه عليها » (¬3) . واليمين أيضا على وجوه، منها: الشيء نفسه، وهو صلة في الكلام كقوله: { وما ملكت أيمانكم } (¬4) أي وما ملكتم. وتخرج (¬5) على القوة، وهو قوله: { لأخذنا منه باليمين } (¬6) أي بالقوة والشدة. واليمين على الحلف، وهو قوله: { واحفظوا أيمانكم } (¬7) . فلما صح عندنا وعندهم أن هذا الذي ذكرنا يخرج على غير المعقول في كثير من لغات العرب، نفينا عن الله الشبه والمعقول كما نفاه عن نفسه. وقال [ النبي ] (¬8) عليه السلام: « ما من كلام إلا وله وجهان فاحملوا الكلام على أحسنه » (¬9) والجنب أيضا على المعقول وعلى غير المعقول، وهو الأمر والطاعة. والمعنى في { جنب الله } (¬10)
¬__________
(¬1) 85) سورة الحجرات: 17.
(¬2) 86) سورة الحجرات: 17.
(¬3) 87) لم أتمكن من معرفة هذا الحديث.
(¬4) 88) سورة النساء: 36.
(¬5) 89) ج: ويخرج.
(¬6) 90) سورة الحاقة: 45.
(¬7) 91) سورة المائدة: 89.
(¬8) 92) + من ج، ب، م.
(¬9) 93) مسند الربيع بن حبيب: ج3/244.
(¬10) 94) سورة الزمر: 56. وجاء في التنزيل العزيز: { أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } (الزمر:56)، قال الفراء: الجنب: القرب، وقوله: { على ما فرطت في جنب الله } أي في قرب الله وجواره، ومنه قولهم: هذا قليل في جنب الله أي في قرب الله من الجنة، وقال الزجاج: معناه: على ما فرطت في الطريق الذي هو طريق الله الذي دعاني إليه، وهو توحيد الله والإقرار بنبوة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - . الخ....انظر لسان العرب، مادة «جنب ».
صفحه ۶۳
أي في أمره وطاعته، ولا وجه للكلام غير ذلك، قال الشاعر:
وفي جنب ما أوليتني من صنيعة ** تقل لك العتبى وإن لم تكلم (¬1)
وتقول: المعنى في طاعة الله، ويقولون: هذا كله قليل في جنب الله، يعني في طاعة الله، والعين أيضا تخرج على العلم والحفظ، وعلى المعقول،/[10] ومعنى { تجري بأعيننا } (¬2) أي بعلمنا وقال الله تعالى: { ثم لا ترونها عين اليقين } (¬3) يعني يقينا لا شك فيه. ويقولون عيني على فلان وما فعل فلان يعني يريد بعلمه (¬4) . { ولتصنع على عيني } (¬5) أي بعلم مني ومرادي (¬6) وحفظي، وكذلك { تجري بأعيننا } والنفس أيضا تخرج على وجهين، منها: نفس منفوسة، والنفس على الشيء بنفسه وقال الله تعالى: { ويحذركم الله نفسه } (¬7) أي يحذركم إياه وقيل: عقوبته كما قال: { وجاء ربك } (¬8) أي وجاء أمر ربك وقال: { فأتى الله بنيانهم من القواعد } (¬9) يعني أمره وعقوبته وقال: { ناكسوا رؤوسهم عند ربهم } (¬10) أي خضوعهم لربهم يوم القيامة. ولو حمل القرآن على ظاهره لتناقض وتكاذب وقال الناس للميت لقي ربه، وصار إلى ربه ولم يريدوا أن ربهم في القبر!! وقال إبراهيم عليه السلام: { إني ذاهب إلى ربي سيهدين } (¬11) أي ذهابه (¬12) إلى حيث أمره ربه (¬13) . ويلزم المشبهة بأن (¬14) يعرفوا لربهم (¬15) موضعا إذا صح عندهم أنه يزول (¬16) وينتقل.
¬__________
(¬1) 95) البيت لعنترة العبسي.
(¬2) 96) سورة القمر: 14.
(¬3) 97) سورة التكاثر: 7.
(¬4) 98) م: يعلمه.
(¬5) 99) سورة طه: 39.
(¬6) 100) ج: أي رؤيتي، ح، ر، م: مرئي والذي أثبتناه من ب وهو يتفق مع سياق الكلام.
(¬7) 101) سورة آل عمران: 28.
(¬8) 102) سورة الفجر: 22.
(¬9) 103) سورة النحل: 26.
(¬10) 104) سورة السجدة: 12.
(¬11) 105) سورة الصافات: 99.
(¬12) 106) م: ذاهب.
(¬13) 107) ت: به.
(¬14) 108) ج ، م : ألا.
(¬15) 109) ج، م: ربهم.
(¬16) 110) بقية النسخ تزيد عبارة (متمكن).
صفحه ۶۴
والوجه أيضا على المعقول وعلى غير المعقول، فغير المعقول: الشيء نفسه، وقال: { إنما نطعمكم لوجه الله } (¬1) أي لله لا غيره (¬2) وقال: { وكان عند الله وجيها } (¬3) أي ذا المنزلة الرفيعة عنده. وقال: { وجه النهار } (¬4) يعني أوله. وتقول الناس فيما بينهم: خذ الأمر من وجهه وخذ الكلام من وجهه. ويقولون: هذا وجه الكلام، كما يقولون: نفس الحاجة ونفس الطريق. وقال في عيسى عليه السلام: { وجيها في الدنيا والآخرة } (¬5) يريد ذا جاه عند الله. وقال: { كل شيء هالك إلا وجهه } (¬6) أي إلا إياه. وقيل: إلا ما يراد به الله من العمل، فكل عمل زائل مضمحل إلا ما يراد به الله من العمل، الصالح لقوله: { بلى من أسلم وجهه لله } (¬7) .
الأصل الثاني
في القدر (¬8)
¬__________
(¬1) 111) سورة الدهر: 09.
(¬2) 112) ج، م: لغيره.
(¬3) 113) سورة الأحزاب: 69.
(¬4) 114) سورة آل عمران: 72.
(¬5) 115) سورة آل عمران: 45.
(¬6) 116) سورة القصص: 88.
(¬7) 117) سورة البقرة: 112.
(¬8) عن القدر: انظر ما كتبه الإباضية في: الربيع بن حبيب، الجامع الصحيح، ج1/25. ورأي أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي (توفي في خلافة أبي جعفر المنصور)، في القدر ومجادلته مع واصل بن عطاء. في طبقات المشائخ للدرجيني (السابق)، ج2/246. الجيطالي: قواعد الإسلام، ج1/31 و 32. محمد بن يوسف اطفيش: الذهب الخالص، ص22. وكتابه: الجامع الصغير، طبعة سلطنة عمان سنة 1986، ج1/16 وما بعدها. وكتاب: مقدمة التوحيد (ترجمها عن البربرية أبو حفص عمر بن جميع) بشرح: الشماخي والتلاتلي. ط2، سنة 1973م. ص32 وما بعدها.
صفحه ۶۵
وقد أجمع (¬1) الناس/[11] على أن الله خالق كل شيء وما سواه مخلوق لقوله: { وخلق كل شيء فقدره تقديرا } (¬2) وقوله: { وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم } (¬3) وهذا الإقرار اصل توحيدهم الذي يخرجون به من (¬4) الشرك ويدخلون به الإسلام. وقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما الإيمان يا رسول الله فقال مجيبا لسائله: « أن تؤمن بالله واليوم الآخر، والملائكة والنبيين والقدر كله (¬5) خيره وشره أنه من عند الله» (¬6) وقال [ - صلى الله عليه وسلم - ] (¬7) : « كل شيء بالقدر حتى الزنا والسرقة » (¬8) فقال: « اعملوا، فكل عامل ميسر لما خلق له » (¬9) فنقضت ذلك (¬10) المعتزلة ومن قال بقولهم من المزيلة الذين أزالوا قدرة الله وتقديره وسلطانه، عن أعمال العباد، واكتساب كل مكتسب من إنس وجان وملك وبهيمة، وأعمال أهل الجنة. وقال بعضهم: إن المسببات على أفعال العباد مثل ذلك كمثل ما قالوا في أفعالهم. وإنما ألجأهم إلى هذا - زعموا - نفي التشريك (¬11) والتشبيه، وأن الكافر والظالم والجائر عندهم الفاعل للكفر (¬12) والجور (¬13) والظلم. ومحال - عندهم - أن يكون الفعل من فاعلين. وقالوا (¬14) : لا يخلو هذا الفعل إما أن يكون الله (¬15) منفردا به، أو يكون العبد منفردا به، أو هما مشتركان فيه، وقالوا: ليس بحكيم من يعذب [ويذم] (¬16)
¬__________
(¬1) ق: اجتمع .
(¬2) سورة الفرقان: 2.
(¬3) سورة الأنعام: 101.
(¬4) ج، ر، ح: عن.
(¬5) - من: ح.
(¬6) هذا الحديث أخرجه البخاري: حديث جبريل رقم 50، ورقم 4777. ومسند الربيع بن حبيب السابق، ص201.
(¬7) + من ح، م، ر.
(¬8) انظر مسند الربيع بن حبيب (الجامع الصحيح)، ج1/25 وحديث (796)، ص207.
(¬9) انظر: البخاري، في باب القدر، ج4/92. مسلم: باب القدر، ج6/87.
(¬10) 10) - من ج.
(¬11) 11) ج: الشريك.
(¬12) 12) - من م.
(¬13) 13) ح، ر: للجور.
(¬14) 14) م: قالوا.
(¬15) 15) ج: لله.
(¬16) 16) - من ت..
صفحه ۶۶
عبده على ما فعل به وسول لهم الشيطان حتى كبر ذلك في أنفسهم.
قلنا لهم وبالله التوفيق: إن الفعل خلا مما ذكرتم من الشركة بين الله وعبده، لأنه ينسب إلى الله أنه خلقه وأنشأه ودبره، وينسب إلى العبد أنه آمن، وكفر، وتحرك، وسكن، وصام، وصلى. ولا ينسب إلى الله بتلك النسبة وإنما الشركة أن ينسب الفعل إلى فاعلين من جهة واحدة، ومثل ذلك أنه إن عصى هذا أو إن أطاع هذا/[12] أطاع هذا، كما يشتركون في قتل رجل واحد (¬1) بجماعة، وفي ضربه وجرحه. ويقولون: ملك الإنسان عبده وملكه الله، ولا يقولون مشتركان، كذلك (¬2) في جميع (¬3) المملوكات.
¬__________
(¬1) 17) - من ح، م، ر.
(¬2) 18) س: بذلك. انظر عن موضوع الشركة في باب " مسألة للقدرية في المعارضة التي يذكرون فيها الشركة، في كتاب (الموجز) آراء الخوارج الكلامية (السابق)، ج2/47 وما بعدها.
(¬3) 19) - من م.
صفحه ۶۷