[29_2]
بين بني مروان، واضطراب المملكة يتقابل أبناء العم، واشتداد المماراة بين أولياء العهد؛ إذ كان من العادة أن يولي الخليفة عهده من بعده اثنين غالبا، وبدت العداوة بين اليمانيين والمضريين، فكان فساد الجيش، وتنازع آل البيت الممالك، مؤذنين بذهاب الملك.
وفي هذا العصر كثرت هجرة العرب إلى البلاد التي أظلتها الراية الأموية، كفارس والعراق والشام ومصر وإفريقية والأندلس، وعاونتهم الدولة بإقطاعهم الأرضين الشاغرة، وجعلت في بعض الأقطار جزية أهل الذمة طعمة للمهاجرين، ترغيبا لمن وراءهم للالتحاق بهم، فبدأ النقص في سكان جزيرة العرب، وذكرت الغوائل بين قيس ويمن بما كان من الطوائل في الجاهلية؛ ورجعت العرب بالعصبيات إلى عادات لهم حظرها الإسلام، فإدى ذلك بالملة والدولة إلى أسوأ مصير.
وفي هذه العقبة جرى تدوين العلوم، ولا سيما الحديث، دون بأمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وقد حاذر ضياع السنة بانقضاء عصر الصحابة والتابعين، وكثر تدوين اللغة والشعر، وتعلقت همة عالم قريش وحكيم آل عمران خالد بن يزيد الأموي بنقل كتب الطب والكيمياء والنجوم والحرب والآلات إلى العربية، وأعطى التراجمة والفلاسفة، وقرب أهل الحكمة ورؤساء كل صناعة، وهو أول من أنشأ خزانة كتب في الإسلام. ثم ترجم كتاب في الطب وبدأ الأفراد بعد ذلك ينقلون من الفارسية والسريانية شيئا من كتب السياسة والحكمة، يدونها للخلفاء والأمراء من بني أمية.
وفي هذا الدور قوى أمر القدرية أو المعتزلة، وكانوا ظهروا بظهور الخوارج والشيعة، لما أنكر الخوارج على علي التحكيم في الخلافة يوم صفين، وحكموا بكفر الفاسق، حكمهم بكفر من يسعى في سفك دماء المسلمين لمأرب دنيوي، وأخذ قوم يدعون المتساهل في دينه فاسقا، ويجعلونه من المسلمين، وصرح بعضهم بأن
صفحه ۲۹