[28_2]
عبد الحميد الكاتب
عصره:
كان عصر عبد الحميد عصر الإقبال والإدبار في الدولة الأموية. بلغ الأمويون قمة مجدهم في عهد الوليد بن عبد الملك، وتم نقل الدواوين إلى اللسان العربي في الأقطار، فتجلت الدولة عربية في عامة مظاهرها، واتسعت الفتوح في الشرق والغرب، وكانت الأندلس من جملة ما فتح؛ فأنشأ بنو أمية في الجنوب الغربي من أوربا مملكة عظيمة، وبدءوا بنشر العربية بين البربر وشعوب إسبانيا، وأقام الوليد المصانع العادية في الحجاز والشام وما إليهما، تخلد مجد الدولة العربية، وتخرج المسلمين في بيوت عبادتهم من سذاجة البداوة إلى نيقة الحضارة، وكثرت في كل بلد المرافق العامة، وكان ينفق أكثر ما يفضل من جباية الدولة على استحداث المساجد ودور المرضى والترع والجسور والطرق.
وفي هذا العصر استخلف سليمان بن عبد الملك ابن عمه عمر بن عبد العزيز، فدعى سليمان الخير لرفعه المظالم، ورده المسيرين وإخراجه المسجنين وسار ابن عبد العزيز في الخلافة بسيرة العمرين أبي بكر وعمر، فأغنى الناس في عهده القصير، حتى لم يبق في أكثر الولايات من يأخذ الصدقة، وأبطل الحروب والغزوات، مجتزئا بما فتحته العرب من البلاد، وحبب بحسن سيرته الإسلام إلى الشعوب، فدخل الناس فيه أفواجا، في بلاد الهند والترك والخزر والبربر والقبط؛ وكانت صلاته بالروم على أحسن ما تكون عليه صلات دولتين متجاورتين.
وجاء هشام بن عبد الملك يحيي سنة أجداده في حسن التدبير والساسة، ويضع للأموال نظاما لا غبن فيه على الراعي ولا على الرعية، واستخذت الروم في أيامه فأسر ملكها، وكان موفقا في أعماله، عد عهده آخر أيام السعادة في بني أمية، فلم يهنئوا بعده بالملك، ولا هنئت بهم الرعية، لانتشار الخلاف على الخلافة
صفحه ۲۸