[26_2]
بعض المثقفين من أبناء الضاد، وكثر المترجمون فاطلع من كانوا يعانون الأدب على طرق الأمم في تأدية المعاني، بل كان بعض المبرزين في الإنشاء هم ممن حذقوا لغة غربية مع العربية. كل ذلك كان من العوامل في خروج الكتابة والتأليف عن أسلوب العهد المغولي، ومحاولة جميلة لإعادة اللغة إلى عصرها الذهبي. والفضل العظيم أيضا لانتشار الصحف والمجلات بين الخاصة والعامة، ولانتظام المدارس بالنظام الغربي، حتى اضطرت المعاهد الدينية المحافظة كالأزهر والزيتونة أن تسير على الأسلوب الذي جرت عليه المدارس العصرية في التدريس والكتابة والتأليف. وشاع في كل بلد الأسلوب الرشيق الخالي من تلك الحلية البالية التي طالما غالى الكتاب في المباهاة بها، ونعني بها السجع المتكلف، واللعب بالألفاظ، وإهمال المعاني.
ويقل اليوم في مجالس المتأدبين استعمال البديع والتسجيع ولو على سبيل التسلية. وما زال الإنشاء يقترب من الأسلوب البليغ، ويتفوق المجددون اليوم بعد اليوم في المخطوب والمكتوب، ويختفي السجع في ظلمات الليالي، ولا تكاد تجد له من يجوزه حتى في الخطب الدينية. ولا تمضي خمسون سنة أخرى حتى تعود الكتابة والخطابة إلى الرونق القديم على عهد بلغاء الكتاب.
وآخر من عرفناهم ممن يعطفون على السجع أحيانا، وإن كان لهم في الكلام المرسل إحسان وإبداع، صديقنا أمير البيان الأمير شكيب أرسلان، فإنه محافظ على الطريقة القديمة في مقدمات الكتب وعناوينها، يترسم خطى ابن خلدون في مقدمة مقدمته واسم تاريخه الخالد. ومع أن ابن خلدون سيد من ترسل في المتأخرن وهو من أنصار التجدد، مال مع المحافظين في هذه الناحية، على ما لم يعهد شبيه له في مؤلفي قرون المجد العربي، أهل القدوة والمثال الذي لا يحتذى غيره.
صفحه ۲۶