[25_2]
والمصريين والمغاربة من ذاك العهد مثال ترتجف أعصاب البلغاء من سماعه فضلا عن تناقله.
نعم إن في بيان المتأخرين في عصور التدلي شناعة وهجانة، جاء ضعيف المادة، قلق الأسلوب، مبتذل اللفظ، مغموسا في التقليد، محوكا بالتعقيد؛ ولا نذكر كاتبا مترسلا نشأ في القرون الأربعة المنحطة يصح في فحول الكتاب لأنهم كلهم أهل سجع وبديع، وكلهم ألفوا اقتباس طريقة من سبقهم، فتغذى أدبهم من مادة ضعيفة، تسلسل فيها الوهن والجمود بمرور الأيام. وربما جاء في غضون تلك الأحقاب من لا بأس بأدبه، وكان يمكن أن يتجوز في ضمه إلى سلك البلغاء، لو وقع إلى ديوان ملك يفهم منه ما يكتب له في هذا اللسان. ذلك لأن دولة العرب زالت بخروج الأندلس عن حكم المسلمين، وبقي قليل من الذماء في البيان في دولة الغرب الأقصى مشوبأ بعجمة بربرية، وبسقوط سائر بلاد العرب في حكم الأتراك العثمانيين، واستقلال فارس دولة فارسية، زاد الحال إعضالا. فاعتمدت هاتان الدولتان على لسانيهما وأغفلتا العربية، خلافا للمماليك في مصر فإنهم رفعوا من أقدار المؤلفين والكاتبين في عهدهم، إلى ما يستغرب من أعاجم مثلهم، والفضل لمصر في ذلك، فإنها أدخلتهم في بوتقتها العربية فعربتهم أما دولة الترك فإنها قضت، قصدا أو عن غير قصد، على كل ما هو عربي في بلادها، وتآليف أشهر علمائها في العربية تشهد لهم بالعجمية في كل سطر دونوه.
إحياء الأسلوب القديم:
وما زالت الحال في هبوط حتى قام في مصر الإمام محمد عبده، وفي الشام اللغوي أحمد فارس في أواخر القرن الماضي، وردا اللغة إلى سهولتها الأولى بما كتباه وألفاه، فدبت الحياة في الكتابة في مصر والشام، يتعمد الكاتبون الأساليب الحديثة ممزوجة بديباجة القدماء، وساعد على ذلك انتشار اللغات الأجنبية بين
صفحه ۲۵