[12_2]
الرسائل، ولم يعهد تطويل مثل تطويله في أهل القرن الأول، اللهم إلا ما كان من رسالة علي بن أبي طالب إلى الأشتر النخعي، وهي في مطالب إدارية عظيمة، هذا إذا صحت نسبتها إلى أمير المؤمنين. فأسلوب القرن الثاني لم يخرج والحالة هذه عن أسلوب أهل القرن الذي تقدمه بألفاظه وتراكيبه، اللهم إلا ما كان من سجع قليل، وشيء من مبالغة وتهويل، ولولا الإطالة لأشبهت كتابه أهل القرن الثاني كتابه أهل القرن الأول. دع ما كان من أفكار جديدة سرت بالترجمة والاختلاط، مما هو طبيعي في اللغات والأمم.
وتعليل هذا الغلو المستفيض في كتابة الفرس، وكتابة تأثروا بآثارهم من كتاب العرب، أن الفرس كانوا قبل حكم العرب يؤلهون ساداتهم وكبراءهم وهؤلاء يسخرونهم كما يسخرون العبيد، وما على العبد إلا إرضاء سيده، والإدهان له. والإسلام لم ينزع كل ما تأصل في الطباع. وصار إيغال الفرس في التبجيل والتعظيم خلقا لهم، وعادة متأصلة على الأيام، فظهر أثر ذلك في الكتابة - والكتابة صاحبها - على ما لم يعهد مثله للعرب فيما سبق من الآباد. بدا ذلك قليلا في بعض كتاب القرن الثاني وشعرائه، وعم وطم في القرن الرابع.
ومن قارن بين ما كان يصدر من الرسائل عن الصحابة وخلفاء بني أمية وأوائل بني العباس، وما كان يصدر في مثل موضوعها عن كتاب العباسيين في القرن الرابع يقع على فروق، يسوغ لك أن تقول معها إن الكتابة انقلبت رأسا على عقب؛ وإن بعض ما دبجه الكاتبون هذا القرن في السلطانيات خاصة والاخوانيات عامة ليس إلا أسلوبا فارسيا مهذبا: ألفاظ كثيرة، وجناسات واستعارات، تشف في الواقع عن حضارة، وما هي إلا نثر فيه الصنعة وفيه التصنع. والمدينة على جمالها لا تخلو في كل عصر من تعقيد؛ وقد سبقت الكتابة في هذا الباب فتبدل المطبوع بالمصنوع أو كاد.
صفحه ۱۲