[10_2]
وذكروا أن الوليد بن عبد الملك كان لحانا، وكان عبد الملك فصيحا، وعرف بلحن ابنه، فقال له: إنك يا بني لا تصلح للولاية على العرب وأنت تلحن، وجعله في بيت وجعل معه من يعلمه الإعراب. وإذا لم يكن للخليفة أو الأمير حظ من العربية، وقسط جزيل من البلاغة، فكيف يخطب في أيام الجمع والاعياد، وفي النوازل الكارثة.
سأل الحجاج، وهو من ابلغ الخطباء، يحيى بن يعمر هل يلحن عنبسة ابن سعيد؟ قال : نعم، كثيرا. قال: فأخبرني عني، هل ألحن؟ قال: لا، أنت أفصح الناس. قال لتخبرني، قال إنك تلحن لحنا خفيفا، تزيد حرفا أو تنقص حرفا وتجعل إن في موضع أن. ويقال إن الحجاج قال له: عزمت عليك لتخبرني عن نفسه، وكانوا يعظمون عزائم الأمراء. فقال يحيى: نعم في كتاب الله، قال: ذاك اشنع، ففي أي شيء في كتاب الله؟ قال: قرأت: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله) فترفع أحب وهو منصوب. قال: إذا لا تسمعني ألحن بعدها، ونفاه إلى خراسان، وما احتمل له قوله إنه قد يلحن، وعد ذلك سبة على مثله.
وطبيعي أن يزيد اللحن بدخول الأعاجم في الدين وتمازجهم بالعرب، وأن تضعف ملكة البلاغة في القول والكتابة، بتكاثر الدولة الأموية وعمالهم من أبناء الروم والفرس والقبط والبربر، ولا سبيل إلى أن يكون الدخيل كالأصيل حذو القذة بالقذة، في منازع التصوير والتفكير والتحبير.
وإذا عرفنا أن اختلاط العرب بالفرس بدأ من عهد الأكاسرة عن طريق الحيرة، حتى أن بهرام جور بن يزدجرد وضعه أبوه عند النعمان بن المنذر ملك الحيرة ليتأدب بآداب العرب، ويعرف أيامها وأخبارها، وأن الحضارة باكرت الحيرة كما
صفحه ۱۰