سازمان ملل: مقدمه ای بسیار کوتاه
الأمم المتحدة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
بالرغم من محدودية نجاح النموذج الأولي المستخدم في السويس على المدى البعيد، فإنه كان النموذج العام المستخدم في عمليات حفظ السلام خلال حقبة الحرب الباردة. السمات الخاصة بهذا النوع من عمليات «الجيل الأول» لحفظ السلام كانت الحيادية الصارمة والموضوعية بشأن الصراع القائم، وهو ما مكن الأمم المتحدة ودولها الأعضاء من الإحجام عن الانحياز لطرف بعينه. وفي حقبة اتسمت بالتنافس بين الشرق والغرب، كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة تقريبا التي يمكن أن تحظى بها مهمة عسكرية دولية بدعم الدول المنتمية لطرفي الحرب الباردة. ومع هذا فإن التأكيد على مراقبة الموقف، وليس التأثير عليه، والحاجة إلى موافقة كل أطراف الصراع، وعدم استخدام القوة (إلا في حالة الدفاع عن النفس) تسبب في جعل نموذج السويس الأولي غير ملائم لجميع أنواع مواقف الصراع، خاصة صراعات الخلافات العديدة التي اندلعت في أعقاب انتهاء الاستعمار الأوروبي في الخمسينيات والستينيات. (3) مولد عمليات إنفاذ السلام: الكونغو
مع أن أزمة السويس أرست نموذج عمليات حفظ السلام الحديثة التابعة للأمم المتحدة في الصراعات بين الدول، فإن معضلة الكونغو مثلت نوعا جديدا من التحدي. لقد نتج عن الاستقلال المفاجئ للمستعمرة البلجيكية السابقة في أوائل عام 1960 ليس فقط الدولة الأكبر مساحة في أفريقيا السوداء، بل أيضا دولة تكتظ بالصراعات الداخلية على السلطة ، وغنية بالموارد، وجاهزة للتدخل الأجنبي. أعلنت مقاطعة كاتانجا - أغنى منطقة في الكونغو - استقلالها بعد تلقيها الدعم من روديسيا وجنوب أفريقيا (وكلتاهما تخضعان لحكم أقلية بيضاء). وحين عادت القوات البلجيكية إلى الكونغو، التمس باتريس لومومبا - رئيس وزراء البلاد - عون الأمم المتحدة. لكن وصول قوات حفظ السلام لم يحل الأزمة على الفور، وتناقش مجلس الأمن حول تداعيات التدخل في الشئون الداخلية للكونغو، التي صارت عضوا بالأمم المتحدة منذ سبتمبر عام 1960.
من ثم صارت الكونغو أول حالة تنخرط فيها الأمم المتحدة في مهمة «إنفاذ للسلام». واجهت قوة عمليات الأمم المتحدة في الكونغو المؤلفة من 20 ألف فرد معوقات طبيعية، وتعرضت لهجمات مستمرة من الجماعات المحلية. وفي العام ذاته أسر باتريس لومومبا وقتل على يد خصومه داخل البلاد. عمت الاضطرابات أرجاء البلاد حتى عام 1964، حين توحدت الدولة من جديد - في الوقت الحالي - وتولت حكومة مركزية بزعامة موبوتو سيسي سيكو السلطة في كينشاسا. غادرت آخر قوات للأمم المتحدة الكونغو في صيف عام 1964. وتعد قوة عمليات الأمم المتحدة في الكونغو أكثر عمليات حفظ السلام أثناء الحرب الباردة تكبدا للخسائر، وذلك بسبب مقتل 250 فردا من أفرادها. ومن بين القتلى كان الأمين العام للأمم المتحدة؛ إذ تحطمت طائرة الأمين العام داج همرشولد على نحو مأساوي في عام 1961 وكان يجري جولات مكوكية بالمنطقة في محاولة للتوسط لإنهاء الصراع.
اتسمت تبعات دور الأمم المتحدة في الكونغو بالتضارب؛ فمع أن قوة عمليات الأمم المتحدة في الكونغو لعبت دورا في ضمان بقاء الدولة الجديدة كدولة موحدة، فإنها لم تفعل سوى القليل لحل أسباب أي اضطراب أو عدم استقرار مستقبلي. لقد ولى الاستعمار، وحفظ تدخل الأمم المتحدة وحدة الدولة التي بدت وكأنها «دولة منهارة». لكن النتيجة كانت دولة ديكتاتورية فاسدة. وعلى مر العقود الثلاثة التالية ثبت أن موبوتو ديكتاتور لا يرحم، وأنه زاد من ثرواته الشخصية وحابى قاعدة مؤيديه، وكان يختبئ خلف واجهة الدولة القومية المستقرة. وفي نهاية التسعينيات، اندلعت حرب أهلية طويلة وأطيح بموبوتو. وإذا كانت عمليات حفظ السلام - كالتي جرت في السويس - تركت الباب مفتوحا أمام الصراعات بين الدول، فإن عمليات إنفاذ السلام كالتي جرت في الكونغو لم توفر أي أساس للتناغم الداخلي المستقبلي. (4) عمليات حفظ السلام وقيود الحرب الباردة
كانت السويس والكونغو مثالين على ما يمكن أن يطلق عليه «النماذج الأولية» لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ومهام إنفاذ السلام. كانت هذه العمليات مقيدة بقدرة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن على الاعتراض على أي فعل إذا بدا متناقضا مع مصالحهم القومية. وعلى الرغم من أن أزمة السويس بينت أنه حتى في حال تورط اثنتين من الدول العظمى، فإن الأمم المتحدة قادرة بالفعل على العمل بقدر ما، فإنها بينت أيضا أنه دون الضغوط الأمريكية والسوفييتية المهولة لم يكن بالإمكان فعل شيء لتحجيم التدخل البريطاني والفرنسي.
ظلت أزمة السويس حالة استثنائية في هذا الصدد؛ فخلال معظم حقبة الحرب الباردة، تعذر على الأمم المتحدة القيام بعمليات حفظ السلام وإنفاذ السلام في عدد من المناطق؛ على سبيل المثال: خلال الصراع الدموي في الجزائر، عجزت الأمم المتحدة عن التدخل بسبب قدرة فرنسا على منع أي فعل. أيضا مرت حربا فيتنام - سواء التي تورطت فيها فرنسا (1946-1954) أو الولايات المتحدة (1960-1975) - دون أن تلعب الأمم المتحدة أي دور فعال. وحين غزا السوفييت أفغانستان عام 1979، وحين هاجم الصينيون فيتنام في العام نفسه، عجزت الأمم المتحدة عن فعل شيء باستثناء عرض الوساطة. والمهمة الوحيدة في نصف الكرة الأرضية الغربي - وهي المنطقة التي استمرت الولايات المتحدة في الهيمنة عليها - حدثت في جمهورية الدومينيكان في مايو من عام 1965، في أعقاب التدخل العسكري أحادي الجانب من قبل 20 ألف جندي من مشاة البحرية الأمريكية. استمرت «مهمة ممثل الأمين العام في جمهورية الدومينيكان» حتى أكتوبر من عام 1966، حين سرحت «بنيتها الأساسية» (اثنان من المراقبين العسكريين وهيئة موظفين مدنيين صغيرة).
ومع هذا؛ فقد توسعت القوات ذات الخوذات الزرقاء في عملياتها خلال الحرب الباردة. وبين الستينيات والثمانينيات، أرسلت قوات حفظ السلام إلى العديد من مناطق الصراع، وتحديدا إلى الشرق الأوسط. وقد صار بعض هذه العمليات جزءا من المشهد الطبيعي لتلك الأقاليم؛ على سبيل المثال: ظلت «قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص» حاضرة في جزيرة شرق المتوسط منذ عام 1964، وأنشئت «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك»؛ لمراقبة الحدود بين إسرائيل وسوريا في عام 1974، ولا تزال موجودة في مكانها. والأكثر إثارة للدهشة على الأرجح هو تمديد عمل «قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)»، ذات الاسم غير الملائم، في صيف عام 2006 في أعقاب الصراع بين إسرائيل وحزب الله؛ ذلك الصراع الذي هدد بتدمير جهود لبنان في الانتقال نحو شكل من أشكال الحياة الطبيعية. وقد تأسست قوة اليونيفيل بالأساس في عام 1978. يا لها من قوة «مؤقتة» بحق!
إجمالا، نفذت ثماني عشرة مهمة لحفظ السلام خلال الحرب الباردة. وخلافا للمهام القليلة المذكورة سابقا، أغلبها كان ذا مدة قصيرة نسبيا. والعديد من هذه المهام كانت بالأساس مهام مراقبة، وتعد مهمة جمهورية الدومينيكان مثالا متطرفا على هذا. الخبر الطيب هو أن معدل الوفيات كان منخفضا على نحو نسبي؛ إذ إنه بين عامي 1948 و1990 توفي 850 فردا من قوات حفظ السلام. علاوة على ذلك، نزعت قوات الأمم المتحدة فتيل عدد من الصراعات العنيفة، أو «جمدتها»، وعلى أقل تقدير، مكنت من إجراء المفاوضات بين الأطراف المتصارعة. وبهذا أنقذت حياة الكثيرين، ودعمت قضية السلام في مجملها، وإقرارا بهذا الدور منحت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة جائزة نوبل للسلام عام 1988، وهو التقدير الذي تأخر كثيرا.
ومع هذا، وكما يتأكد من الصراعات المستمرة لفترات طويلة في الشرق الأوسط، والوجود الدائم لمراقبي الأمم المتحدة في كشمير، يظل الأثر الذي أحدثته قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على الحل الفعلي للمنازعات محدودا. بل صار الموقف أكثر تعقيدا منذ أواخر الثمانينيات.
خطة للسلام، 1992
صفحه نامشخص