سازمان ملل: مقدمه ای بسیار کوتاه
الأمم المتحدة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
شكر وتقدير
مقدمة
1 - أفضل أمل للبشرية؟ تاريخ موجز للأمم المتحدة
2 - خليط مستحيل: هيكل الأمم المتحدة
3 - مواجهة الحروب والتصدي للتهديدات: أعمال مجلس الأمن
4 - من حفظ السلام إلى بناء السلام
5 - من التنمية الاقتصادية إلى التنمية البشرية
6 - الحقوق والمسئوليات: من حقوق الإنسان إلى الأمن البشري
7 - الإصلاح والتحديات: مستقبل الأمم المتحدة
تسلسل زمني
صفحه نامشخص
المراجع
قراءات إضافية
شكر وتقدير
مقدمة
1 - أفضل أمل للبشرية؟ تاريخ موجز للأمم المتحدة
2 - خليط مستحيل: هيكل الأمم المتحدة
3 - مواجهة الحروب والتصدي للتهديدات: أعمال مجلس الأمن
4 - من حفظ السلام إلى بناء السلام
5 - من التنمية الاقتصادية إلى التنمية البشرية
6 - الحقوق والمسئوليات: من حقوق الإنسان إلى الأمن البشري
صفحه نامشخص
7 - الإصلاح والتحديات: مستقبل الأمم المتحدة
تسلسل زمني
المراجع
قراءات إضافية
الأمم المتحدة
الأمم المتحدة
مقدمة قصيرة جدا
تأليف
يوسي إم هانيماكي
ترجمة
صفحه نامشخص
محمد فتحي خضر
شكر وتقدير
أعرب عن شكري للتشجيع الذي تلقيته من زملائي بالمعهد العالي للدراسات الدولية والإنمائية بجنيف، سويسرا؛ وذلك لتوفير بيئة محفزة مكنتني من استكشاف خبايا منظمة الأمم المتحدة.
وفي دار نشر أكسفورد يونيفرستي برس، أسعدني الحظ بالعمل مع فريق ممتاز ضم - في مراحل متباينة - كلا من جولين أوسانكا وتيم بارتليت وماري ساذرلاند وجاستن تاكيت، وعلى الأخص، نانسي توف.
وكالعادة، كانت عائلتي في فنلندا داعمة لي. وأخص بالشكر والدي، هيلكا يوسكاليو ويوسي كيه هانيماكي، اللذين لم يتوقفا عن دعمي قط. وفي جنيف، سمح لي ابني، ياري، بقضاء ساعات في إعداد هذا الكتاب مع أن أمورا أخرى ملحة - كالتنس وكرة القدم والرحلات إلى الملاهي المائية وغيرها - كانت ستعد سبلا أنسب بكثير لاستغلال الوقت. وأخيرا، أود أن أشكر باربرا، التي أصرت على أن أكمل هذا الكتاب، ومع أن رؤية الكتاب مطبوعا قد لا تغير حياتي، فإن باربرا فعلت ذلك بالتأكيد.
مقدمة
نحن الشعوب: وعد الأمم المتحدة
«نحن شعوب الأمم المتحدة.» بهذه الكلمات يبدأ ميثاق الأمم المتحدة. ثم يسرد الميثاق بعد هذا أربعة أهداف رئيسية للمنظمة الدولية؛ أولا: أن الأمم المتحدة آلت على نفسها حفظ السلام والأمن: «أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب.» ثانيا : «أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان.» ثالثا: أكدت الأمم المتحدة على احترام القانون الدولي. ورابعا: تعهدت المنظمة الوليدة ب «أن ندفع بالرقي الاجتماعي قدما، وأن نرفع مستوى الحياة». وفي صيف عام 1945، قطعت الدول المؤسسة للأمم المتحدة على نفسها عهدا بأن تجعل العالم مكانا أفضل.
هل استطاعت الأمم المتحدة تحقيق كل هذه الأهداف النبيلة، أو بعضها، أو أيها، على امتداد أكثر من ستة عقود؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي نتعامل معه في هذا الكتاب. ومن ثم، سيقيم الكتاب نجاحات الأمم المتحدة وإخفاقاتها كحارس للسلم والأمن الدوليين، وراع لحقوق الإنسان، وحام للقانون الدولي، ومهندس لعملية التقدم الاقتصادي والاجتماعي. وأثناء ذلك، سيسبر الكتاب أغوار هيكل الأمم المتحدة وعملياتها في أنحاء العالم.
شكل 1: مقر منظمة الأمم المتحدة، يقع على مساحة ثمانية عشر فدانا بالجانب الشرقي من مانهاتن، ويتألف من أربعة مبان رئيسية: مبنى الجمعية العامة (ذي السقف المائل)، ومبنى المؤتمرات (على نهر إيست ريفر)، ومبنى الأمانة العامة المكون من 39 طابقا، ومكتبة داج همرشولد، التي أضيفت عام 1961. صمم هذا المجمع فريق دولي من أحد عشر مهندسا معماريا.
صفحه نامشخص
1
ليست هذه مهمة يسيرة؛ إذ ظلت الأمم المتحدة على مدار تاريخها مؤسسة مثيرة للجدل. لقد مرت المنظمة الدولية الوحيدة العالمية بحق - التي يجلها البعض ويلعنها البعض الآخر - برحلة وعرة؛ فقد فازت بجائزة نوبل للسلام وغيرها من الجوائز لإنقاذها حياة البشر وتخفيف معاناتهم، لكنها كانت أيضا هدفا مفضلا للسياسيين الذين يشككون في أن الأمم المتحدة تحاول أن تكون حكومة عالمية، أو يزعمون هذا كي يكسبوا قلوب مجموعات بعينها من الناخبين، لكن آخرين - أمثال هنري كابوت لودج الابن، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة من عام 1953 إلى 1960 - يتبنون نظرة أكثر اعتدالا؛ إذ يقرون بمواطن القصور المتأصلة بالمنظمة التي تمثل - نظريا على الأقل - مصالح العالم أجمع. وقد لخص لودج هذا الرأي في عام 1954 بقوله: «نشأت هذه المنظمة لتمنعك من الذهاب للجحيم، لا لتأخذك إلى الجنة.»
2
في الواقع، إن كان من فكرة رئيسية تهيمن على هذا الكتاب فهي الحقيقة البسيطة القائلة إن أعظم التحديات التي جابهتها الأمم المتحدة هي الفجوة شديدة الاتساع بين طموحاتها وقدراتها، ويمكن لنظرة سريعة على الجوانب الأساسية لأنشطة الأمم المتحدة أن تؤكد هذا.
أولا: تعهدت الدول المؤسسة للأمم المتحدة بجعل العالم أكثر أمنا. ولتجنب المجازر التي سببتها الحرب العالمية الثانية أنشأت هذه الدول هيكلا وأدوات مصممة لمواجهة التهديدات المحيقة بالأمن الدولي، وأوضح مثال على هذا تمثل في منح مجلس الأمن سلطة غير محدودة تقريبا حين يتعلق الأمر بانتهاكات السلام. من المفترض أن تكون قرارات المجلس ملزمة لجميع الدول الأعضاء، وقد عهد للجنة الأركان العسكرية التابعة له بالتخطيط للعمليات العسكرية، على أن تملك تحت تصرفها قوة جوية جاهزة للنشر الفوري. وبدا أن الدول المؤسسة قد عقدت العزم على ألا يقف العالم مكتوف الأيدي ثانية وهو يشاهد الدول المعتدية تنتهك الحدود والاتفاقات الدولية.
كان التصميم معيبا؛ فلجنة الأركان العسكرية لم تضع تصورا لقوتها الجوية أو قواعدها؛ ولهذا لم يكن بالإمكان بدء العمليات العسكرية التابعة للأمم المتحدة بسرعة، بل في الواقع لم يكن من المفترض أن تملك الأمم المتحدة تسليحا عسكريا خاصا بها. أيضا احتوى ميثاق الأمم المتحدة في صلبه على أسباب عجز مجلس الأمن: فمن خلال منح حق النقض (الفيتو) لخمس دول (الصين وفرنسا وبريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة)، مكن الميثاق هذه المجموعة المختارة من منع أي فعل تراه مناقضا لمصالحها الوطنية؛ ونتيجة لذلك، قد تكون الأمم المتحدة لعبت دورا إيجابيا في منع اندلاع حرب عالمية أخرى، لكنها عجزت عن منع نشوب سلسلة من الصراعات الإقليمية أو وقفها (من كوريا وفيتنام وحتى الشرق الأوسط وأفريقيا). فقوات حفظ السلام التي أرسلت إلى مناطق النزاعات في العالم كانت عادة تصل بعد انتهاء أسوأ الأعمال العدائية بوقت طويل. وفي بعض الأحيان - كما هو الحال في إقليم دارفور بالسودان بعد عام 2003 - تأخر وصولها، وكانت عمليات الإبادة الجماعية دائرة.
المشكلة الأساسية التي تعانيها الأمم المتحدة كمراقب للأمن الدولي كانت - ولا تزال - بسيطة: كيفية التعامل مع الصراعات - سواء بين الدول أو داخل الدولة نفسها - دون المساس بالسيادة القومية للدول الأعضاء بها. إنه لغز يستمر في التأثير على وظائف الأمن الدولي التي تقوم بها الأمم المتحدة، فلا يزال السلام ينتظر أن يسود.
كان الهدف الثاني للأمم المتحدة هو تسليط الضوء على أهمية حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي. ولتحقيق هذا الهدف، عقدت المعاهدات وصدرت الإعلانات وصيغت الأدوات القانونية المتعددة. أبرز هذه الوثائق لا شك كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948. وأضيفت وثيقتان أخريان إلى قانون حقوق الإنسان في الستينيات، وهو ما أنتج لنا الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وبحلول القرن الحادي والعشرين، كان مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان وغيرهما من الهيئات تبلغ - في نشاط - عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان في العالم، وكانت المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الخاصة، في لاهاي، تحاكم من ارتكبوا أشنع انتهاكات حقوق الإنسان.
بيد أن قدرة هذه الهيئات على تنفيذ نوع من الولاية القضائية العالمية تظل محدودة بفعل العامل عينه الذي يعرقل دور الأمم المتحدة في الأمن الدولي: سلطة الدولة القومية؛ فليس من حق المفوضية السامية أو المجلس توجيه «الأوامر» للدول ذات السيادة، والمقررون الخصوصيون الذين يحققون في الانتهاكات نيابة عن المجتمع الدولي يجب أن «يدعوا» من جانب الحكومات التي تكون - في أحوال كثيرة - هي نفسها موضع التحقيق. وكثيرا ما تنتهي التحقيقات إلى طريق مسدود.
وأخيرا: تعهدت الأمم المتحدة بتعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي. ولتحقيق هذا المأرب، أنشئت مؤسسات مثل البنك الدولي - المرتبط بالأمم المتحدة مع أنه ليس جزءا من نظامها من الناحية الفعلية - لمساعدة الدول التي تحتاج العون. وفي ستينيات القرن العشرين، ومع ارتفاع عدد أعضاء الأمم المتحدة بفضل الاستقلال الحديث لدول عديدة، وأغلبها دول نامية (من قارة أفريقيا بالأساس)، استجابت المنظمة بإنشاء هياكل إضافية، أشهرها على الأرجح مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
صفحه نامشخص
ظهرت مشكلتان منذ الستينيات، ولا تزالان حاضرتين إلى اليوم؛ فمن ناحية، لم يوجد اتفاق على كيفية تعزيز التقدم. فالاقتصاديون وعلماء الاجتماع اختلفوا حول جدوى منح المساعدات الاقتصادية أم ترك هذه المهمة للسوق. ومن ناحية أخرى، تمتعت المنظمات المختلفة بقواعد موارد وهياكل تنظيمية مختلفة؛ على سبيل المثال: لأن البنك الدولي كانت تموله بالأساس الولايات المتحدة، أثرت واشنطن على سياساته تأثيرا بالغا، لكن الولايات المتحدة ظلت منخرطة لأكثر من أربعة عقود في الحرب الباردة ونصرة الرأسمالية على الشيوعية بوصف الأولى السبيل الصحيح لتنظيم الحياة الاقتصادية. وفي هذا السياق، كثيرا - بل غالبا في واقع الأمر - ما صارت المساعدات الإنمائية أداة سياسية غير مرتبطة بالمشكلات الفعلية لشعوب العالم النامي.
أضف إلى هذا عددا من العناصر الأخرى - الفساد والتنافس بين الوكالات ونقص الموارد - وستصير الأسباب وراء عدم تمتع المساعدات الإنمائية بنجاح كبير أوضح، لكنها لم تفشل فشلا تاما كما يدعي بعض منتقديها؛ ففي الواقع دعت الأهداف المسماة بالأهداف الإنمائية للألفية - التي أميط عنها اللثام في عام 2000 - إلى تقليل معدلات الفقر إلى النصف بحلول عام 2015. وبحلول السابع من يوليو 2007 - في منتصف الوقت الذي حددته الأمم المتحدة رسميا لتحقيق هذا الهدف - بدت الدول الآسيوية على المسار السليم لتحقيق هذا الهدف، لكن دول جنوب الصحراء الأفريقية كانت متأخرة للغاية عن تحقيق أهدافها. وليس من قبيل المصادفة أن يحذو الأمين العام الحالي - بان كي مون - حذو سلفه في دعوة الدول الغنية إلى التعامل بجدية مع موضوع المساعدة الإنمائية.
قد لا تكون الأمم المتحدة ارتقت إلى مستوى طموحات مؤسسيها، لكن حقيقة واحدة تظل واضحة: أنها المنظمة الوحيدة العالمية بحق في تاريخ البشرية؛ فالأمم المتحدة - بعدد أعضائها البالغ 192 دولة في عام 2008 - تغطي كوكبنا بأسره، وخلال عمرها البالغ ستة عقود ضاعفت تقريبا من عدد أعضائها الأصليين، 51 دولة، بمقدار أربعة أضعاف، وتعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة - وهو المنتدى الممثلة به الدول الأعضاء جميعها - تجسيدا حقيقيا للصورة الشهيرة ل «عائلة الأمم» أو «برلمان البشر».
ما الذي يكمن خلف تأسيس هذه المنظمة العالمية التي تبدو مطلقة الشمولية وربما مطلقة القدرة؟ ولماذا يزداد عدد أعضائها بهذه الدرجة الكبيرة؟ لماذا - بالرغم من النقد الكثير - تستمر في العمل في أنحاء العالم؟ وما الذي ينطوي عليه هذا العمل حقا؟
هذا الكتاب القصير هو محاولة للعثور على بعض الإجابات لهذه الأسئلة، التي يثير كثير منها الحيرة والإحباط. إلا أن اهتمامي الأساسي هو محاولتي لأن أفسر - لنفسي ولقراء هذا الكتاب - ذلك التناقض الذي أزعجني منذ أن انتقلت إلى جنيف؛ المدينة التي كانت مقرا لعصبة الأمم وتستضيف حاليا مقر منظمة الأمم المتحدة في أوروبا.
من ناحية، يرى الكثيرون منا في الأمم المتحدة كيانا بيروقراطيا عجيبا يمتلئ بموظفين مدنيين يتقاضون أجورا مرتفعة (مبالغا فيها) دون أن يفعلوا شيئا يذكر في وقتهم سوى عقد المؤتمرات في مدن جميلة (كجنيف) على مبعدة كبيرة من مناطق الاضطرابات في العالم. ومع ذلك، من ناحية أخرى، يبدو أيضا أننا مقتنعون بالرأي القائل إن الأمم المتحدة تساعد ملايين الأشخاص في العالم على عيش حياة أفضل أو - في حالات عديدة - البقاء وحسب على قيد الحياة. والسبب الأساسي وراء اضطلاعي بمهمة تأليف هذا الكتاب هو محاولة تفهم هاتين النظرتين، المتباعدتين أيما ابتعاد، للأمم المتحدة ودورها في العالم الحديث.
لم يكن الأمر سهلا؛ فقد تحتم علي - مثلا - اتخاذ بعض القرارات القاسية. وكانت نتيجة ذلك أنني لن أركز على العدد الضخم من القرارات الذي يصدر عن الأمم المتحدة كل عام. وتغافلت أيضا عن العديد من وكالات الأمم المتحدة وصناديقها، ليس لأنها غير مهمة، بل لأن ضيق المساحة لم يسمح لي بمناقشة عمل منظمات كمنظمة السياحة الدولية مثلا أو التحليلات المهمة الصادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. بدلا من ذلك ركزت على المناحي المختلفة الواقعة في قلب العمل اليومي للأمم المتحدة: حفظ السلام والأمن الدوليين، والتنمية الاقتصادية والبشرية، ومناصرة حقوق الإنسان. قد يعترض البعض على حقيقة أنني لم أول الاهتمام الكافي لخطط الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة والصحة العالمية. وردي ببساطة هو أن هذين الأمرين يمكن دراستهما كجزء من القضايا عريضة النطاق التي ذكرتها لتوي.
ثانيا: يعد تأليف كتاب صغير عن موضوع متشعب أمرا صعبا (بطبيعته) لمؤرخ معتاد على التعامل مع التعقيد وتسليط الضوء عليه بدلا من البساطة. بالتأكيد سيحكم القراء ما إذا كان جهدي ناجحا أم لا. لكن ينبغي تحذيرهم مسبقا من أنه استحال إخفاء إشارة واحدة معينة تدل على حقيقة أن مؤلف الكتاب مؤرخ؛ إذ كثيرا ما يميل الكتاب لسرد الأحداث المتعلقة بموضوع رئيسي محدد بدلا من الانخراط في شرح وتحليل نظري لوظائف أي جزء بعينه للأمم المتحدة.
وفي النهاية، يستحيل على المرء أن يصنف كتابا عن الأمم المتحدة دون تناول سؤال أساسي: هل عفى الزمن على الأمم المتحدة وباتت لا لزوم لها؟ الإجابة التي يقدمها هذا الكتاب هي: لا؛ فالأمم المتحدة منظمة لا غنى عنها، جعلت من العالم مكانا أفضل - كما أمل مؤسسوها - لكنها أيضا مؤسسة تشوبها عيوب عميقة، وبحاجة لإصلاح دائم.
قد لا تبدو هذه حجة ثورية، بل هي بالأحرى تعكس آراء أغلب البشر في العالم؛ فوفق استطلاع عالمي للرأي أجري في عام 2007 فإن قضية منح الأمم المتحدة سلطات إضافية تحظى بالقبول في العالم (إذ أيد ثلاثة من كل أربعة أشخاص من عينة الاستطلاع فكرة زيادة سلطات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإجازة استخدام القوة). هذا لا يعكس وحسب عدم الرضا العام عن الطريقة التي تحيد بها الدول القوية الأمم المتحدة - من أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك التدخل في العراق عام 2003 - بل هو مؤشر أيضا للآمال المتواصلة التي يعلقها أغلب البشر في أغلب الدول على الأمم المتحدة.
صفحه نامشخص
هذا، وحده، يجعل محاولة تفهم الأمم المتحدة بكل تعقيدها مهمة تستحق العناء.
الفصل الأول
أفضل أمل للبشرية؟ تاريخ موجز للأمم المتحدة
نعتقد عادة أن المنظمات الدولية ظاهرة من ظواهر القرن العشرين بدأت بتأسيس عصبة الأمم في عام 1919، وهذا الاعتقاد صحيح إلى حد بعيد، ومع ذلك ففي أواخر القرن التاسع عشر بدأت الأمم بالفعل في تأسيس منظمات دولية للتعامل مع قضايا محددة: أولى هذه المنظمات قاطبة كانت الاتحاد الدولي للاتصالات، الذي تأسس عام 1865 (وكان يسمى في البداية بالاتحاد الدولي للبرق)، واتحاد البريد العالمي، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1874، واليوم تعد كلتا هاتين المنظمتين جزءا من نظام الأمم المتحدة. وأسس مؤتمر السلام الدولي الذي عقد في لاهاي عام 1899 المحكمة الدائمة للتحكيم، التي بدأت عملها في عام 1902. كانت هذه المحكمة أول وسيط لتسوية المنازعات بين الدول، وهي سلف محكمة العدل الدولية التي أسستها الأمم المتحدة. بيد أن اندلاع الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914 وما تبعه من مجازر أوضح مواطن قصور هذه الآلية. وأذن بنهاية النظام الدولي - المسمى بالوفاق الأوروبي - الذي جنب القارة العجوز ويلات خوض حرب كبرى منذ مغامرات نابليون قبلها بقرن.
بين عامي 1914 و1918 شهدت أوروبا أشنع مذابح عبر تاريخها المخضب بالدماء بالفعل؛ إذ هلك قرابة العشرين مليون شخص، وانهارت إمبراطوريات (كالإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية الروسية مؤقتا)، وولدت أمم جديدة (مثل تشيكوسلوفاكيا وأستونيا وفنلندا)، وانتصرت ثورات إصلاحية (في روسيا) وخسرت أخرى (في ألمانيا). باختصار، بزغ نظام عالمي جديد. (1) عصبة الأمم: «ضمان مؤكد للسلام»
وسط أهوال الحرب، وفي يناير من عام 1918، أوضح الرئيس وودرو ويلسون الخطوط العريضة لفكرته عن عصبة الأمم. ونظرا للدمار التام الذي خلفته الحرب العالمية الأولى حظيت فكرة المنظمة الدولية بتأييد واسع؛ إذ بدا لكثيرين أن وجود منظمة دولية ذات سلطة لتسوية المنازعات قبل أن تتصاعد لمرحلة الصراع العسكري هو الحل. وبالرغم من عدم استطاعة الولايات المتحدة الانضمام في نهاية المطاف لعصبة الأمم، فإن ويلسون ترأس اللجنة المنبثقة عن مؤتمر فرساي للسلام عام 1919 والهادفة لتأسيس المنظمة الدولية. لم يكن لويلسون، كمثال، سوى تحفظات قليلة بشأن أهمية العصبة. وكما أعلن في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين في عام 1919:
إنها ضمان مؤكد للسلام. إنها ضمان مؤكد ضد العدوان. إنها ضمان مؤكد ضد الأشياء التي أوشكت على هدم بناء الحضارة بأكمله. إن أهدافها ليس بها أدنى غموض. أهدافها معلنة، وسلطاتها جلية. وليس ضربا من الخيال أن تكون هذه عصبة لتأمين سلام العالم فقط. إنها عصبة يمكن استخدامها للتعاون في أي شأن دولي.
1
لم يكن الرئيس الأمريكي وحده هو من علق هذه الآمال العريضة على المنظمة الجديدة؛ فقد قدم ويلسون - بمثاليته المنفتحة ودوره الدولي الجديد - بصيصا من الأمل لمستقبل أفضل، لكن بالنظر للأمر من منظور اليوم ، تبدو اللغة البلاغية الواثقة لويلسون في غير محلها، ووجهت ضربة قاصمة للمنظمة الجديدة حين رفض مجلس الشيوخ الأمريكي التصديق على معاهدة فرساي، ولم تنضم الولايات المتحدة إلى العصبة قط، وهو ما ألحق ضررا دائما بالمنظمة حديثة العهد.
شكل 1-1: الرئيس وودرو ويلسون برفقة رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو في طريقهما لتوقيع معاهدة فرساي.
صفحه نامشخص
2
مع هذا، باشرت العصبة أعمالها من جنيف بسويسرا في عام 1920، بعد أن استضافتها لندن فترة مؤقتة، وسريعا ما أحرزت العصبة نجاحات محدودة؛ ففي أوائل عشرينيات القرن العشرين، سوت العصبة منازعات إقليمية بين فنلندا والسويد حول جزر أولند، وبين ألمانيا وبولندا حول سيسيليا العليا، وبين العراق وتركيا حول مدينة الموصل. كافحت المنظمة تجارة الأفيون الدولية وخففت من حدة أزمة اللاجئين في روسيا بقدر من النجاح. وقد وفرت العصبة - بعملها كمنظمة أم لوكالات مثل منظمة العمل الدولية والمحكمة الدائمة للعدل الدولي (سلف محكمة العدل الدولية الحالية) - نموذجا لمنظمة الأمم المتحدة المستقبلية.
خضعت العصبة - بوصفها منظمة للدول المنتصرة - لهيمنة فرنسا وبريطانيا العظمى، إلى جانب اليابان وإيطاليا كعضوين دائمين في مجلس المنظمة (الذي يعادل تقريبا مجلس الأمن في الأمم المتحدة اليوم وأعلى سلطة في شئون الأمن الدولي). كانت الدول المؤسسة الثماني والعشرين، والممثلة بالجمعية العامة، في أغلبها دولا أوروبية ومن أمريكا اللاتينية.
في الواقع، كانت عصبة الأمم بهذا المعنى تعبيرا عن الهيمنة الأوروبية على العالم في ذلك الوقت؛ إذ كانت أغلب دول أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط واقعة تحت سيطرة القوى الاستعمارية الأوروبية. وبطبيعة الحال أرست العصبة ما سمي بنظام الانتداب كي تعد «أهالي» الأقاليم المختلفة للحكم الذاتي والاستقلال. ومنحت الدول التي لها حق الانتداب - كبريطانيا في فلسطين، وفرنسا في لبنان وسوريا - سلطات واسعة فيما يخص تلك الإعدادات. وقد أخذوا وقتهم وزيادة، واضطرت الدول الواقعة تحت الانتداب إلى الانتظار حتى عام 1945 كي تحقق الاستقلال، الذي أتى مصحوبا بالكثير من العنف وعدم الاستقرار، ثم - على المدى البعيد - عدم الأمان المزمن.
ومع ما اتسم به نظام الانتداب من قصر نظر، فإنه كان بمنزلة قنبلة موقوتة لم تنفجر إلا بعد أن زالت العصبة نفسها من الوجود، وكان فشل العصبة في منع نشوب الحرب العالمية الثانية هو السبب في زوالها. (2) العالم في حرب
مع أن غياب الولايات المتحدة كان عاملا مهما تسبب في إصابة عصبة الأمم بالعجز؛ فإن أهمية هذه المنظمة تضاءلت أكثر بسبب عدم احترام القوى العظمى لها. انضمت ألمانيا والاتحاد السوفييتي للعصبة، لكن لفترة وجيزة: إذ انضمت ألمانيا عام 1926، ثم خرجت بعد اعتلاء النازي سدة الحكم عام 1933، وفي عام 1933 انضم الاتحاد السوفييتي للعصبة، لكن بعدها بست سنوات، بعد هجومه على فنلندا في أواخر 1939، صار الاتحاد السوفييتي العضو الوحيد الذي طرد من العصبة.
حينها، كانت العصبة قد شهدت انسلاخ اثنين من الأعضاء المؤسسين عنها؛ إذ غادرتها اليابان في عام 1933 بسبب عدم رضاها عن النقد الذي تعرضت له بسبب احتلالها لمنشوريا، وطرحت إيطاليا الالتزامات التي تفرضها العضوية جانبا حين غزت إثيوبيا، إحدى الدول الأفريقية الثلاث الأعضاء بالعصبة (إلى جانب ليبيريا وجنوب أفريقيا) ونجحت في احتلالها.
لماذا فشلت العصبة في مجابهة هذه السلسلة من الأفعال العدوانية التي اقترفها عدد من القوى العظمى العازمة على استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها التوسعية؟ من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينيات كبحت حماس الدول الأخرى - فرنسا وبريطانيا تحديدا - للمخاطرة بالأرواح والموارد بالقتال في حروب بعيدة لم يكن لها أثر مباشر على أمنها القومي. ومن ثم، تحولت إلى سياسة المهادنة، التي ثبت فشلها في نهاية المطاف؛ فخلال مؤتمر ميونخ الذي عقد عام 1938، وافقت بريطانيا وفرنسا على تفكيك تشيكوسلوفاكيا بالموافقة على ضم منطقة السوديت إلى ألمانيا بزعامة هتلر. لو كان مبرر هذا الفعل هو وجود عدد كبير من السكان المتحدثين بالألمانية في المناطق التي تخلت عنها تشيكوسلوفاكيا، فقد لا يكون هناك مبرر للاحتلال الألماني اللاحق لما بقي من تشيكوسلوفاكيا. وحين هاجمت ألمانيا بولندا في سبتمبر عام 1939، بعد عقد حلف مشئوم مع الاتحاد السوفييتي قبلها بشهر واحد، تبددت تماما الآمال العريضة التي علقت على العصبة منذ عقدين فحسب.
تسبب عجز عصبة الأمم عن ممارسة ضغط كاف في حالات العدوان الصريح في تحجيمها أكثر وأكثر؛ فوفق الاتفاقية الخاصة بها، يحق للعصبة توجيه الإنذارات اللفظية أو فرض عقوبات اقتصادية على الدولة المعتدية، وإذا فشلت هذه الطرق يحق لها التدخل عسكريا. من الناحية النظرية، كانت هذه الخطوات منطقية ومعقولة، وفي حين عجزت الإنذارات اللفظية عن إثناء الدولة المعتدية القوية والمصممة على المضي في عدوانها، احتاجت العقوبات الاقتصادية تعاونا دوليا. ولما كانت العصبة لا تملك أي سلطة فيما وراء عدد أعضائها المحدودين، ظلت الدول الواقعة تحت ضغوط العقوبات الاقتصادية قادرة على المتاجرة مع الدول غير الأعضاء بالعصبة، وخلال الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينيات تحديدا، لم يكن من العسير العثور على الأطراف الراغبة في المتاجرة، ولأن العصبة لم تملك جيشا خاصا بها، استلزم التدخل العسكري أن توفر الدول الأعضاء القوات المطلوبة. على أرض الواقع كان هذا يعني القوات الفرنسية والبريطانية، لكن لم تكن أي من الدولتين مهتمة بالتورط في صراعات قد تكلفها الكثير في أفريقيا أو آسيا.
وبحلول الوقت الذي طردت فيه العصبة الاتحاد السوفييتي في عام 1939، لم يعد هناك مفر من الاعتراف بأن العصبة فشلت في هدفها الشامل؛ فلم تصبح العصبة - كما أمل ويلسون - «ضمانا مؤكدا للسلام». ومع هذا، صار جليا مع بداية الحرب العالمية الثانية أن هناك حاجة لنوع من المنظمات الدولية لحمايتنا من التردي نحو حروب مهلكة في المستقبل. وكان هناك هدف أساسي: عدم السماح بتكرار تجربة عصبة الأمم. (3) الإنشاء
صفحه نامشخص
يعود أول «إعلان للأمم المتحدة» إلى الأول من يناير عام 1942، حين تعهد مندوبو ست وعشرين دولة بمواصلة حكوماتهم للقتال معا حتى هزيمة قوات المحور وإرساء السلام «العادل». وبهذا، وعلى عكس عصبة الأمم، بدأت الأمم المتحدة تحالفا ظهر إلى الوجود مع دخول الأمريكيين الحرب في أعقاب الهجوم الياباني على بيرل هاربر وإعلان ألمانيا الحرب على الولايات المتحدة في ديسمبر عام 1941. صارت الحرب العالمية الثانية صراعا عالميا بحق؛ تتقاتل فيها قوات الحلفاء (بزعامة الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي) ضد قوات المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان).
كانت الحرب العالمية الثانية حربا مهلكة. ويقدر عدد القتلى من العسكريين والمدنيين بنحو 72 مليون شخص. وقد خلفت الحرب تأثيرا عميقا على الاقتصاديات القومية والعالمية، إلى جانب البنى السياسية في العالم. انهارت الإمبراطوريات الأوروبية إما أثناء الحرب أو نتيجة لها، وظهرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كأقوى دولتين على الأرض، واحتلت ألمانيا واليابان وجردتا من قوتيهما العسكرية. وإجمالا، تغير وجه العالم تماما.
نشأت الأمم المتحدة، جزئيا، لإدارة عملية التغيير هذه. وشأن عصبة الأمم، ظهرت المنظمة كمبادرة من الرئيس الأمريكي، فرانكلين دي روزفلت هذه المرة، الذي ضغطت إدارته لإنشاء الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة من الحرب. وفي أغسطس 1944، التقت وفود من الصين والاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في دومبارتن أوكس، وهي ضيعة خاصة بواشنطن العاصمة، لوضع برنامج العمل الأساسي للمنظمة الدولية الجديدة، وفي أكتوبر باتت مسودة ميثاق الأمم المتحدة جاهزة، وبعد استسلام ألمانيا في أبريل من العام التالي (ووفاة روزفلت في الشهر عينه)، وقع الميثاق في سان فرانسيسكو في السادس والعشرين من يونيو عام 1945. وفي الرابع والعشرين من أكتوبر 1945، بعد انتهاء الحرب في المحيط الهادي أيضا، ظهرت الأمم المتحدة إلى الوجود رسميا.
شكل 1-2: بعد أشهر من المفاوضات المكثفة، تم تبني ميثاق الأمم المتحدة رسميا في الخامس والعشرين من يونيو عام 1945. يوقع أحد أعضاء وفد جواتيمالا على الميثاق في حفل التوقيع الرسمي في اليوم التالي.
3
لم تتغير القضية الأساسية التي تعامل معها واضعو مسودة ميثاق الأمم المتحدة في جوهرها عن تلك التي واجهها ويلسون ونظراؤه الأوروبيون في عامي 1918 و1919. لقد أرادوا إنشاء منظمة تعد، بحق، ضمانا مؤكدا للسلام. كان هناك الكثير من التشاؤم، وهو أمر مفهوم في ظل المصير الذي آلت إليه أهداف العصبة النبيلة. وكما كان الحال من قبل، ظلت المعضلات والإشكاليات كما هي دون تغيير: كيف نوازن بين السيادة القومية والمثالية الدولية؟ كيف نسوي عدم التوازن بين الدول من حيث السلطة والتأثير، والموارد والالتزامات؟ بعبارة أخرى، كيف نعد ميثاقا يقر بالحقيقة الراسخة القائلة إن بعض الدول متساوية أكثر من غيرها، ويتعامل معها بفعالية؟ كيف نضمن أن بعض الدول لن تنسحب من الأمم المتحدة - كما فعلت اليابان مع عصبة الأمم في الثلاثينيات - حين لا تعجبها قراراتها؟
واجه القائمون على إعداد ميثاق الأمم المتحدة هذه القضية بآلية بسيطة؛ حق النقض (الفيتو). بمعنى آخر، منح الميثاق سلطات أعلى لخمس من الدول المؤسسة - الصين وفرنسا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي - مكنتها من منع اتخاذ أي قرارات ترى أنها ستضر بمصالحها. صارت هذه الدول الخمس أعضاء دائمين بمجلس الأمن، وستحتفظ كل دولة منها بمقعدها في أهم هيئات المنظمة الجديدة ما دام لها وجود. من شأن هذه الاستراتيجية، كما اعتقد، أن تزود الدول العظمى بالدافع لكي تظل جزءا من الأمم المتحدة، بيد أنها أمدتها أيضا بوسيلة لتحييد هذه المنظمة العالمية.
مع أن مؤسسي الأمم المتحدة كانوا واعين لإخفاقات عصبة الأمم، فإن أغلب المثل والكثير من العناصر الهيكلية للعصبة شكلت أساس ميثاق الأمم المتحدة، وأبرز مثال على ذلك أن ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية عصبة الأمم أوردا تعزيز الأمن الدولي والتسوية السلمية للمنازعات كهدفين رئيسيين، لكن ميثاق الأمم المتحدة كان مختلفا في جانبين مهمين.
ميثاق الأمم المتحدة باختصار
يتألف ميثاق الأمم المتحدة من سلسلة من المواد موزعة على فصول؛ يستعرض الفصل الأول الأهداف العامة للأمم المتحدة، وأهمها حفظ السلم والأمن الدوليين، يحدد الفصل الثاني المعايير العامة لعضوية الأمم المتحدة، وأنها متاحة ل «جميع الدول المحبة للسلام»، لكن على الدول الراغبة في الالتحاق بالمنظمة الحصول على «توصية» مجلس الأمن، وهو ما يعطي مجلس الأمن حق الاعتراض على عضوية أي دولة.
صفحه نامشخص
الجزء الأساسي للوثيقة موزع على الفصول من 3 إلى 15، ويصف أجهزة ومؤسسات الأمم المتحدة وسلطات كل منها. ولعل أهم الفصول هي تلك التي تتناول سلطات تطبيق القوانين لهيئات الأمم المتحدة الرئيسية؛ على سبيل المثال: يناقش الفصلان السادس والسابع سلطة مجلس الأمن للتحقيق في المنازعات والتوسط فيها، إضافة إلى سلطته في فرض العقوبات أو استخدام القوة العسكرية، وتتناول الفصول التالية سلطات الأمم المتحدة في التعاون الاقتصادي والاجتماعي؛ كمجلس الوصاية، الذي أشرف على إنهاء الاستعمار ، وسلطات محكمة العدل الدولية، ووظائف الأمانة العامة للأمم المتحدة، الذراع الإداري (أو الديوان الدائم) للأمم المتحدة.
اختلف الميثاق عن اتفاقية العصبة تحديدا في تأكيده على دفع التقدم الاجتماعي والاقتصادي كهدف أساسي. كان دفع التقدم الاقتصادي جزءا من اتفاقية عصبة الأمم أيضا، لكنه ظهر، على استحياء، في المادة 23. وعلى النقيض من ذلك، فقد ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة ذاتها «أن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشئون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها.»
كان سبب التركيز على أهمية التنمية الاقتصادية والاجتماعية متأصلا في سنوات ما بين الحربين؛ فقد رأى الكثيرون في الكساد الاقتصادي العالمي في أواخر العشرينيات والثلاثينيات السبب الرئيسي للاضطرابات السياسية التي أدت إلى ظهور النزعة القومية المفرطة وأفعال العدوان التي تمخضت عن الحرب العالمية الثانية؛ ولهذا نظر إلى تعزيز المساواة الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها وسيلة لحماية الأمن الدولي.
أراد مؤسسو الأمم المتحدة إنشاء منظمة قادرة على منع «ويلات الحرب» من أن تحل بالبشرية مرة أخرى، ولتحقيق هذا الهدف عرف المؤسسون قضية الأمن الدولي بكلمات أشمل مما فعل مؤسسو عصبة الأمم، وهدفوا إلى إقامة هيكل يمكن الأمم المتحدة من المشاركة النشطة في شئون العالم الرئيسية: الأمن العسكري، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودعم حقوق الإنسان والعدالة الدولية.
بطريقة ما، كان الجميع سيستفيد، لكن من ناحية أخرى، مهد هذا لإشكاليات مستقبلية. (4) باكورة الحرب الباردة والأمم المتحدة
لم يدر بخلد الموقعين الأوائل على ميثاق الأمم المتحدة أن يضمن فعل الإنشاء البسيط هذا وجود نظام عالمي سلمي؛ ففي الواقع تشاركت الأمم المتحدة في سمة مهمة مع المنظمة السابقة عليها. شأن عصبة الأمم، فإن الأمم المتحدة - منذ تأسيسها - كانت «منظمة للمنتصرين»؛ فلم يمنح خصوم الحرب الكبار وحلفاؤهم ومناصروهم العضوية إلا في وقت لاحق؛ على سبيل المثال: اشتمل أول مجلس للأمن على دول كالبرازيل ومصر والمكسيك ونيوزيلندا والنرويج، فيما أغفلت دول كبولندا وإيطاليا واليابان وألمانيا، ومع هذا ارتكز الأمل في أن تكون الأمم المتحدة قوة أكثر فعالية في حماية الأمن الدولي على حقيقة أن كلا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانتا من الدول المؤسسة.
حين وصلت وفود الواحد والخمسين دولة لحضور أول سلسلة من الاجتماعات في لندن في يناير عام 1946، كان المناخ العام للعلاقات الدولية في تدهور بالفعل، وفي فبراير ألقى الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين خطبة نالت الكثير من النقد، وصف فيها العالم بأنه منقسم على نحو تام بين نظامين سياسيين واقتصاديين، وفي الخامس من مارس استجاب رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل بالإعلان بأن الستار الحديدي أسدل عبر أوروبا. بعدها بعام، كشف الرئيس الأمريكي هاري ترومان عن «مبدأ ترومان»، الذي يعد أول تعبير عام عن استراتيجية أمريكا طويلة الأمد لاحتواء المد السوفييتي والتأثير الشيوعي.
كان التردي اللاحق إلى الحرب الباردة سريعا؛ ففي فبراير عام 1948 اكتمل إسدال الستار الحديدي في أوروبا الشرقية-الوسطى حين انضمت تشيكوسلوفاكيا إلى صفوف الجبهة السوفييتية للديكتاتوريات الشيوعية. وفي أوروبا الغربية، حظيت الولايات المتحدة بمركز تفوق كثقل موازن للتأثير السوفييتي، وذلك من خلال مساعدة الفصيل المناهض للشيوعية في الحرب الأهلية اليونانية، وتقديم المساعدة لتركيا بسبب تعرضها للضغوط من جانب الاتحاد السوفييتي، إلى جانب إطلاق مشروع إعادة إعمار أوروبا - المعروف بمشروع مارشال - الذي عزز التعافي الاقتصادي بين عامي 1948 و1952 لدول أوروبا الغربية. رسخ إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أبريل عام 1949 انقسام أوروبا إلى معسكرين معاديين. وفي السنوات (والعقود) التالية صارت الحرب الباردة أكثر عالمية واتساما بالطابع العسكري. وسريعا ما تبع قيام جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر عام 1949 تحالفها مع الاتحاد السوفييتي، ثم في يونيو من عام 1950 اندلعت الحرب الكورية، التي مثلت أول تحد خطير يواجه الأمم المتحدة.
لم يتسبب ابتداء الحرب الباردة واندلاع أول حرب كبرى ساخنة في حقبة ما بعد عام 1945 في تدمير الأمم المتحدة، بيد أنه شكل على نحو جوهري دور المنظمة في العلاقات الدولية، وحد من قدرتها على العمل كقوة إيجابية للأمن الدولي. يظل الصراع الكوري هو التدخل العسكري الوحيد واسع النطاق للأمم المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة، وهو لم يتحقق إلا بفضل غياب الاتحاد السوفييتي عن جلسات مجلس الأمن في يونيو من عام 1950؛ حين كان الاتحاد السوفييتي يقاطع الأمم المتحدة لرفضها قبول جمهورية الصين الشعبية القائمة حديثا عضوا بالمنظمة. ومن ثم لم يكن مندوب الاتحاد السوفييتي موجودا لنقض القرار الذي رعته الولايات المتحدة، وهو الحق الذي استخدمه الاتحاد السوفييتي لما لا يقل عن ثمانين مرة بين عامي 1946 و1955.
كان استخدام الاتحاد السوفييتي لحق النقض مرتبطا - في واقع الأمر - بعقبة أخرى تسببت فيها الحرب الباردة؛ مأزق إضافة أعضاء جدد للأمم المتحدة. فمن الجلي أن كون الدولة «محبة للسلام» لم يكن بالمؤهل الكافي. فخلال العقد الأول بعد توقيع الميثاق في سان فرانسيسكو، أضيفت تسع دول وحسب إلى المنظمة: أفغانستان وأيسلندا والسويد وتايلاند عام 1946، وباكستان واليمن عام 1947، وبورما (ميانمار الآن) عام 1948، وإسرائيل عام 1949، وإندونيسيا عام 1950. ومن الواضح أن كون هذه الدول أكثر «محبة للسلام» من دول أخرى دأبت على التقدم لعضوية المنظمة مثل فنلندا أو أستراليا أمر محل شك.
صفحه نامشخص
في الواقع، لم يكن هناك نقص في عدد الدول المتقدمة للعضوية. لكن الحرب الكورية (1950-1953) جعلت أي تعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مستحيلا. علاوة على ذلك، كان هناك خلاف سوفييتي-أمريكي بشأن طريقة الاختيار: فبينما كان الاتحاد السوفييتي يرغب في عقد صفقة شاملة تضمن إضافة عدد متساو تقريبا من الدول المؤيدة للاتحاد السوفييتي والدول المؤيدة لأمريكا والدول المحايدة للأمم المتحدة، أصرت الولايات المتحدة على أن يحسم أمر كل دولة متقدمة للعضوية وفق مدى جدارة هذه الدولة بعينها، وكانت النتيجة الوصول إلى طريق مسدود؛ إذ لم يضف أي أعضاء للمنظمة لمدة خمس سنوات بعد عام 1950.
ومع هذا فإن أكثر ما أضر بمصداقية الأمم المتحدة في الخمسينيات والستينيات كان الجدل الذي نشب حول طلب جمهورية الصين الشعبية الانضمام للأمم المتحدة ومجلس الأمن. فبعد انتصار جمهورية الصين الشعبية - أو «الصين الشيوعية» كما سماها أغلب السياسيين الأمريكيين - بالحرب الأهلية في عام 1949، زعمت أنها الممثل الشرعي ل «كل» الصينيين. قوبلت هذه الفكرة برفض محموم من جانب جمهورية الصين (أو تايوان)، التي كانت حليفا للولايات المتحدة وتلقت منها الدعم المستمر. ولأكثر من عقدين ظلت تايوان - الجزيرة الصغيرة المقابلة لساحل الصين التي فر إليها القوميون الصينيون بعد انتصار الشيوعيين - تمثل الصين في الأمم المتحدة. والأهم من ذلك أن تايوان تمتعت بحق النقض في مجلس الأمن وكأنها واحدة من القوى العظمى الخمس في العالم. وفقط في عام 1971، حين رغبت إدارة نيكسون في إنشاء علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، غيرت واشنطن سياستها الخاصة بعدم الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية. لكن بكين ظلت مصرة على تمثيل الصين كلها. ومن ثم حلت جمهورية الصين الشعبية محل تايوان في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وخرجت الجزيرة الصغيرة وسكانها الذين يقدر عددهم بحوالي 22 مليونا من عباءة الأمم المتحدة.
مع أن ظهور الحرب الباردة أثر على نحو جوهري على فعالية الأمم المتحدة في أول عقد لها، فقد ظهر عدد من التطورات الإيجابية أيضا. أهم هذه التطورات قاطبة هو تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، وهو وثيقة جرى التفاوض حولها تحت قيادة إلينور روزفلت، أرملة الرئيس الراحل روزفلت. أيضا، في عام 1948، أرسلت الأمم المتحدة أول مراقبي السلام إلى جنوب آسيا والشرق الأوسط. وفي الشرق الأوسط تحديدا، توسط ناشط الحقوق المدنية رالف بانش بنجاح في اتفاقيات الهدنة بين دولة إسرائيل الوليدة وجيرانها العرب في عامي 1948 و1949. وفي الفترة نفسها، نشطت الأمم المتحدة في التعامل مع احتياجات لاجئي الحرب العالمية الثانية الأوروبيين، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى إنشاء مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين في عام 1950.
إلا أن هذه العلامات البارزة لم تستطع إخفاء حقيقة أنه خلال العقد الأول من عمرها، كانت الأمم المتحدة رهينة للمناخ الدولي المشحون بشدة. وتحديدا، كان التحول في طبيعة الحرب الباردة هو ما حل مشكلة العضوية التي وصلت لطريق مسدود، تلك المشكلة التي بدأت في منتصف الخمسينيات تقوض مصداقية الأمم المتحدة كمنظمة دولية منفتحة بحق. (5) إنهاء الاستعمار والتنمية
انضمت ست عشرة دولة إلى الأمم المتحدة في عام 1955، وهو ما وصل بعدد الدول الأعضاء إلى ست وسبعين دولة. جاء هذا التوسع نتيجة لصفقة شاملة انضمت بموجبها دول من أوروبا الشرقية - مثل ألبانيا وبلغاريا والمجر - في مقابل انضمام دول من أوروبا الغربية، مثل إيطاليا والبرتغال وإسبانيا. إضافة إلى ذلك، ضمت الصفقة الشاملة عددا من الدول الأوروبية المحايدة (النمسا وفنلندا وأيرلندا) وقلة من الدول المستقلة حديثا (كمبوديا ولاوس وليبيا).
عكست الصفقة الشاملة التي عقدت في عام 1955 هدوءا مؤقتا في التوتر بين الشرق والغرب في أعقاب وفاة ستالين ونهاية الحرب الكورية. لكن بعدها بعام واحد تصاعد التوتر الدولي مجددا مع انفجار أزمتين في الوقت ذاته تقريبا؛ ففي أكتوبر عام 1956 تدخلت القوات السوفييتية لسحق الحركة الديمقراطية في المجر. لم يثر ذلك القمع الوحشي أي رد فعل من جانب الولايات المتحدة، وهو ما يرجع في جزء منه إلى تزامنه مع الهجوم الفاشل لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر بعد إعلان الزعيم المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس. ومن قبيل المفارقة أن صارت أزمة قناة السويس أول قضية مهمة يقف فيها الأمريكيون والسوفييت الموقف نفسه داخل الأمم المتحدة؛ إذ صوتت الدولتان لمصلحة قرار يدعو للانسحاب الفوري للقوات الأجنبية من مصر.
توصف أحيانا أزمة السويس عام 1956 باللحظة التي بلورت نهاية الطموحات الاستعمارية الأوروبية، وفي السنوات التي تلتها حصلت أغلب المستعمرات البلجيكية والبريطانية والفرنسية على استقلالها، وأثناء الحصول على استقلالها سعت الدول الجديدة بكل جد لنيل الاعتراف الدولي، وكان أحد أهم رموز سيادتها القومية هو نيل عضوية الأمم المتحدة.
ليس من قبيل المفاجأة إذن أن يبدو عدد الدول التي انضمت للأمم المتحدة في عام 1955 ضئيلا بالمقارنة بالتوسع الذي تبعه؛ فبين عامي 1956 و1968 زاد عدد الأعضاء إلى 119 (بحلول عام 1962، كانت الأمم المتحدة قد ضاعفت عدد مؤسسيها الأصلي البالغ واحدا وخمسين دولة). وباستثناءات قليلة (اليابان، التي انضمت عام 1956، هي أبرزها)، تألف الأعضاء الجدد من مستعمرات أفريقية وآسيوية سابقة لقوى أوروبية. أغلب هذه الدول كان متخلفا اقتصاديا بالمقارنة بالأعضاء الأصليين. وفي القرن الحادي والعشرين لا تزال الصراعات المحلية تدمر دولا عديدة منها، وقد صارت هذه الدول مسارح دائمة للعديد من عمليات الأمم المتحدة.
شكل 1-3: نمو عدد أعضاء الأمم المتحدة منذ عام 1945.
اشتركت الدول الجديدة في سمة أخرى، وهي أن أغلبها رفض الانحياز لأحد جانبي الصراع بين الشرق والغرب، واختار بدلا من ذلك الانضمام لما سمي بحركة عدم الانحياز. بدأت الحركة باجتماع خمس وعشرين دولة في بلجراد، يوغوسلافيا في عام 1961. وعبر العقود التالية نمت حركة عدم الانحياز لتضم أكثر من مائة دولة سمت عن الانخراط في الحرب الباردة. وفي عام 2006 مثلا، عقدت الحركة قمة أخرى في هافانا بكوبا. وقد أصبحت حركة عدم الانحياز، منذ السبعينيات، أكبر تجمع للدول الممثلة بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
صفحه نامشخص
كان الأثر الأساسي لحركة عدم الانحياز هو تركيز أنشطة الأمم المتحدة واهتماماتها على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وتحديدا على قضية التوزيع غير العادل للثروة بين دول الشمال والجنوب. أبرز أول مؤتمر للأمم المتحدة للتجارة والتنمية - الذي عقد في عام 1964 - هذا الهدف من خلال تكوين مجموعة السبعة والسبعين، وهي منظمة حرة لتنمية بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وتحاول إبقاء المساعدات الإنمائية على رأس خطة عمل الأمم المتحدة.
وقد نجحت في هذا المسعى؛ فمن الجلي أن منظمة الأمم المتحدة الموسعة ركزت على القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الستينيات والسبعينيات، وقد عقدت مؤتمرات دولية كبرى برعاية الأمم المتحدة عن البيئة (1972) وعن وضع المرأة (1975)، وتبنت الأمم المتحدة اتفاقيات ضد التفرقة العنصرية (1969)، ولمكافحة التعصب والتفرقة على أساس النوع (1979). ونجح برنامج الأمم المتحدة للبيئة في الضغط من أجل توقيع اتفاقية حماية طبقة الأوزون (بروتوكول مونتريال) في عام 1987. وفي عام 1980 أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على مرض الجدري (إذ ظهرت آخر حالة إصابة بالمرض عام 1977). ومع أن قدرة المنظمة على التعامل مع قضايا الأمن الدولي (وخاصة تلك المتعلقة بالحروب بين الدول وداخل الدولة نفسها) كانت محل شك خلال الحرب الباردة، واجهت الأمم المتحدة بنشاط وفعالية العديد من التحديات العالمية الأخرى، وتحديدا تلك التي تواجه الأعضاء الجدد. (6) الأمم المتحدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة
غير انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة من وجه السياسة الدولية والأمم المتحدة. فمع اختفاء المواجهة المتواصلة بين الشرق والغرب، توقع الكثيرون أن يستطيع مجلس الأمن أخيرا أن يضطلع بدوره الشرعي في توفير السلم والأمن الدوليين وضمانهما. ووفق «خطة السلام»، المبرمة في صيف عام 1992، ستستخدم الأمم المتحدة الدبلوماسية الوقائية وصنع السلام وحفظ السلام لترك بصمتها على النظام الدولي التالي على الحرب الباردة. ومع انتهاء المواجهات بين القوتين العظميين، كان من المفترض أن تصير المساعدات الإنمائية أقل تسييسا؛ ومن ثم نشرت الأمم المتحدة في عام 1994 «خطة التنمية». بعد ذلك ضغط نشطاء حقوق الإنسان، كي لا يتخلفوا عن الركب، لتمرير «خطة الديمقراطية» في عام 1996. ولو كان عدد الخطط مؤشرا، لكنا بصدد عصر ذهبي من الحوكمة العالمية. وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عند تسلمه جائزة نوبل للسلام عام 2001، فإن «هذه الحقبة من التحديات العالمية لا تترك لنا خيارا سوى التعاون على المستوى العالمي».
4
كان عنان، ذلك الغاني ذو الشخصية الآسرة، الذي قاد الأمم المتحدة لعقد من الزمان (1997-2007)، محقا بلا ريب. لكنه كان مدركا بالتأكيد أن تلك المثل السامية كانت أبعد ما تكون عن التحقق في بداية الألفية الجديدة. وقد شهد العقد ونصف العقد التاليان على نهاية الحرب الباردة الكثير من التغيرات، سواء في سياسات الأمم المتحدة أو داخل المنظمة نفسها، لكن ندر أن يكون من بينها التدخل على نحو أكبر في شئون العالم.
تحقق النمو بطرق متعددة؛ فقد زاد عدد أعضاء الأمم المتحدة من 159 دولة في عام 1989 إلى 192 دولة عام 2007، وفي الفترة نفسها قفزت ميزانية الأمم المتحدة من 2,6 مليار دولار إلى حوالي 20 مليار دولار. نتج هذا في جزء منه عن الزيادة في عدد عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. فخلال العقود الأربعة الأولى لوجود الأمم المتحدة، أجريت ثلاث عشرة عملية لحفظ السلام، وأجيزت ست وثلاثون عملية منذ عام 1988. وفي عام 2007 بلغت قوات حفظ السلام في العالم قرابة الثمانين ألف فرد، مقارنة بثلاثة عشر ألفا قبل هذا التاريخ بعقدين. زادت تكلفة هذه العمليات عشرة أضعاف: من حوالي 500 مليون دولار في أواخر الثمانينيات إلى 5 مليارات دولار في عام 2006. وفي الوقت ذاته، أفرطت الأمم المتحدة في تقديم الكثير من الخطط والتعهدات الطموحة، المدعومة بعدد لا يحصى من الدراسات والمؤتمرات. تبلور أغلب هذا النشاط في عام 2000، حين كشفت الأمم المتحدة النقاب عن «الأهداف الإنمائية للألفية»، وهي قائمة بثمانية أهداف عالمية تراوحت بين تقليص الفقر إلى النصف حتى وقف انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز) وتوفير التعليم الأساسي على مستوى العالم. ومن المفترض أن يتحقق هذا كله بحلول عام 2015.
لكن لم يستطع كل هذا النمو والنشاط أن يخفي الحقائق القاسية التي واجهتها الأمم المتحدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة. فبالرغم من الزيادة الحادة في عدد عمليات حفظ السلام التي اضطلعت بها، فإن الإخفاقات تتفوق على النجاحات؛ فعلى سبيل المثال: مع أن الأمم المتحدة نجحت في تحويل ناميبيا إلى حكم الأغلبية، فإنها فشلت في منع المجازر التي وقعت في كل من يوغوسلافيا السابقة ورواندا. ومع أن نسبة البشر الذين يعيشون في فقر مدقع في آسيا قد تكون انخفضت في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، فإن أعدادا مشابهة ارتفعت في أفريقيا.
وهكذا كانت أول ستة عقود من عمر الأمم المتحدة مفعمة بالتغيير. وقد دللت زيادة عدد الأعضاء وحدها على أن المنظمة كانت، بحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، المنظمة العالمية الوحيدة بحق. لكن هذا التطور كان محفوفا بالتحديات والإحباطات، في حين تعاملت منظمة الأمم المتحدة سريعة التغير مع قضايا الأمن البشري والدولي، وإدارة ما بعد الصراع، وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. ومن خلال العمل على مستوى عالمي، وبهيئة عاملين دولية وداخل نظام دولي تسيطر عليه الصراعات، لم تحقق الأمم المتحدة عادة سوى نجاح محدود متفاوت وحسب في أي من هذه المناحي.
أحد السبل لفهم السبب وراء ذلك الحال يكمن في الهيكل المختلط نفسه للمنظمة الدولية.
الفصل الثاني
صفحه نامشخص
خليط مستحيل: هيكل الأمم المتحدة
عبر داج همرشولد - في مقابلة مع مجلة تايم في صيف عام 1955 - عن إحباطه بشأن الصورة العامة للأمم المتحدة، وقد كان قلقا - تحديدا - من أن كثيرا من الناس رأوا في المنظمة - التي لم تتجاوز من العمر عشرة أعوام - كيانا بيروقراطيا ضخما عاجزا عن مجابهة المخاوف الملموسة لدى البشر العاديين. والأمر المساوي في الأهمية هو أن همرشولد رأى أن مثل هذا السخط كان يبعد منظمة الأمم المتحدة عن الأشخاص الذين صممت المنظمة لخدمتهم تحديدا. ولم يكن هناك سوى حل واحد، وقد عبر عنه همرشولد بقوله: «سيكون كل شيء على ما يرام، أتعلمون متى؟ حين يتوقف الناس - الناس وحسب - عن التفكير في الأمم المتحدة بوصفها لوحة تجريدية عجيبة أشبه بلوحات بيكاسو، والنظر إليها كلوحة رسموها بأنفسهم.»
1
تشير تعليقات ثاني أمين عام للأمم المتحدة إلى واحدة من المشكلات المحورية التي تواجهها المنظمة العالمية؛ ففي عام 1955 كانت الأمم المتحدة حاضرة بالفعل، لكنها كانت بعيدة؛ ليس فقط لأنها كانت تعمل في مجالات عديدة مختلفة، ومن خلال وكالات عديدة مختلفة، وبمجموعة متنوعة من الأهداف المتباينة؛ فقد كانت - كما الحال معها اليوم - «لوحة تجريدية عجيبة أشبه بلوحات بيكاسو»؛ خليط تنظيمي يستحيل تفسير وظائفه العديدة بلغة بسيطة. ليس هناك جدوى من القول: إن الأمم المتحدة كيان هيكلي ضخم؛ خليط من المنظمات والشعب والهيئات والأمانات التي تحمل كل منها اسما مركبا مميزا لا تستطيع سوى قلة من البشر أن يلموا بها. وهذا وحده كفيل بتفسير العديد من مشكلات الأمم المتحدة.
لكن الفكرة المحورية هنا هي أن الأسباب الداعية لبناء مثل هذا الخليط - اللوحة التجريدية حسب وصف همرشولد - بسيطة: فقد تألفت المنظمة على يد أشخاص من دول متعددة، لهم خلفيات وأهداف متباينة. والأمر المساوي في الأهمية هو أن مؤسسي الأمم المتحدة (ومصممي هيكلها) كانوا يواجهون المعضلة الأبدية: كيفية التوفيق بين المصالح القومية - الأمن القومي والرخاء القومي والقوانين الوطنية - والمصالح الدولية؛ أي الأمن الدولي والتنمية العالمية والعدالة الشاملة وحقوق الإنسان. وقد عكس الهيكل الموضوع هذه المعضلة، وهو أحد أسباب المحصلة النهائية: لوحة جزء منها تجريدي وجزء منها واقعي. (1) «أسرة» الأمم المتحدة
في عام 1945 كانت الأجهزة الستة الرئيسية للأمم المتحدة هي: الجمعية العامة، ومجلس الأمن ، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، ومحكمة العدل الدولية، والأمانة العامة. وباستثناء مجلس الوصاية - الذي لم يعد له غرض بعد اكتمال عملية إنهاء الاستعمار التي أشرف عليها - لا تزال هذه الأجهزة تؤلف البناء الفوقي الأساسي للأمم المتحدة. تلتقي هذه الأجهزة جميعها على نحو منتظم، ويصوت أعضاؤها ويتخذون القرارات، ويصدرون الإعلانات، ويناقشون قضايا اليوم، ومع هذا فوظائف هذه الأجهزة تتباين تباينا كبيرا: فمع أن الجمعية العامة هي برلمان الأمم المتحدة ومجلس الأمن هو لجنتها التنفيذية، فإن الأمانة العامة هي الهيئة التشغيلية - الديوان - الذي يدير الأمم المتحدة.
ومع ذلك فإن «أسرة» الأمم المتحدة أكبر بكثير؛ إذ تضم خمس عشرة وكالة والعديد من البرامج والهيئات. بعض المنظمات - كمنظمة العمل الدولية - أسست خلال حقبة عصبة الأمم في العشرينيات، وقد أنشئ الكثير منذ عام 1945 لمواجهة مشكلات محددة طلب من الأمم المتحدة حلها، وقد جاء معظم هذه الزيادة - والتعقيد الناجم عنها للأمم المتحدة - كنتيجة للنمو السريع في عدد الدول الأعضاء التي ساهمت - في العقود التالية على تأسيس المنظمة - في زيادة المهام التي فوضت الأمم المتحدة للتعامل معها. ونتيجة لذلك، أضيفت هيئات وبرامج جديدة (ولا تزال تضاف) على أساس دوري. وهناك هيئات أخرى، كمفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين، قصد بها في البداية أن تكون مؤقتة، لكنها تحولت إلى أحد الأجهزة الدائمة. ومن الحتمي أن تتداخل اختصاصات بعض الهيئات مع البعض الآخر.
بالإضافة إلى كل هذا، للأمم المتحدة مجموعة مختلطة من «الهيئات الفرعية» والشركاء، فعلى امتداد تاريخها، ارتبطت الأمم المتحدة بحوالي ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية. كان هذا التصور قائما بالفعل في عام 1945؛ إذ أقرت المادة 71 من ميثاق الأمم المتحدة صراحة أن للأمم المتحدة «أن تجري الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئات غير الحكومية التي تعنى بالمسائل الداخلة في اختصاصها». من الناحية العملية، يعني هذا أنه في كل عام تعمل الأمم المتحدة مع مئات المنظمات غير الحكومية للتعهد بالمهام الإنسانية في مناطق الصراع في العالم؛ على سبيل المثال: بين عامي 1995 و2002، أشرفت بعثة الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك على عملية بناء السلام التي تمر بها البلاد - وأهمها إرساء سيادة القانون - بعد المرور بحرب بغيضة. وخلال هذه الفترة اشتركت البعثة مع قرابة أربعين منظمة غير حكومية قدمت خبراتها في نطاق واسع من الاختصاصات يتراوح بين تطهير الأرض من الألغام وحماية البيئة.
وإضافة إلى التعاون مع العديد من بعثات الأمم المتحدة، تعمل المنظمات غير الحكومية كجماعات ضغط لدعم قضايا متعددة؛ على سبيل المثال: في عام 1997 أصدرت اثنتان وثلاثون منظمة غير حكومية خطابا مفتوحا «تحث» فيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على الضغط على حكومة السودان الممانعة للسماح بدخول قوة حفظ السلام المشتركة التابعة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة إلى إقليم دارفور الذي مزقه الصراع. يعطينا هذا المثال لمحة عن طريقة أخرى أجبرت الأمم المتحدة بها على نحو متزايد على الإقرار بقصور قدراتها وعقد التحالفات في أماكن أخرى. وتحديدا منذ التسعينيات، أوكلت الأمم المتحدة «من الباطن» مهام حفظ السلام إلى مؤسسات لا تنتمي إلى الأمم المتحدة (كمنظمات إقليمية كحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأفريقي) أو حتى إلى شركات أمن خاصة. وفي عام 2001 كونت تلك الأخيرة منظمة غير حكومية خاصة بها تدعى رابطة عمليات السلام الدولية، التي تعمل كجماعة ضغط للعلاقات العامة للشركات التي كانت في أوقات سابقة يشار إليها بجماعات المرتزقة.
هذا التعقيد الإداري يعكس أيضا محاولة تشكيل منظمة قادرة على تجنب بعض المشكلات التي واجهتها عصبة الأمم من قبل، وقادرة على التكيف مع البيئة الدولية المتغيرة حسب الحاجة. كان لعصبة الأمم عدد من الأجهزة مشابه لتلك الخاصة بالأمم المتحدة؛ على سبيل المثال: كان هناك مجلس العصبة (وهو لجنة تنفيذية شبيهة بمجلس الأمن) وجمعية العصبة (المعادل التقريبي للجمعية العامة للأمم المتحدة)؛ أي إن هيكل الأمم المتحدة كان مبنيا على مزيج من الهياكل الموروثة، والتحديات الجديدة، والدروس التاريخية. (2) مجلس الأمن
صفحه نامشخص
مجلس الأمن هو الجهاز الرئيسي لنظام الأمم المتحدة كله، ومسئوليته الأساسية هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. ولتحقيق هذا المقصد، منح مجلس الأمن سلطات واسعة تجعل منه شريكا نشطا في الشئون الدولية؛ فهو قادر على التحقيق في أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي، ويحق له أن يقرر فرض عقوبات اقتصادية أو التدخل العسكري؛ وعلى هذا فوض مجلس الأمن لاستخدام سلطاته كوسيلة لمنع الصراع وكوسيلة لإجبار أي دولة على التقيد بحكم أو قرار بعينه.
يمكن النظر إلى السلطات الواسعة الممنوحة لمجلس الأمن كنتيجة للرغبة في بناء جهة حارسة للسلم والأمن الدوليين تكون أكثر فعالية مما كانت عليه عصبة الأمم. وقليلون جدا هم من شككوا في الحاجة لمثل هذه المنظمة، سواء وقت إنشائها أو بعد ذلك. بيد أن هيكل مجلس الأمن لا يخلو من الإشكاليات؛ فهو يعكس واحدا من التوترات التي ألقت بظلالها على الأمم المتحدة، وكثيرا ما كبحت تأثيرها. وعلى وجه الخصوص، فإن نظام العضوية المزدوج، الذي منح المزيد من السلطة، على نحو غير متكافئ، لخمس من القوى العظمى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، أقر بامتيازات القوى العظمى كعنصر مهم في ميثاق الأمم المتحدة. وبهذا وضعت المصالح القومية والضيقة في مواجهة المثل الجامعة التي أسست عليها الأمم المتحدة.
يحدد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سلطات مجلس الأمن. ومن المواد المحورية في هذا الفصل ما يلي:
المادة 39
يقرر مجلس الأمن هل وقع تهديد للسلم أو إخلال به، أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
المادة 40
منعا لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقدم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضروريا أو مستحسنا من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه.
المادة 41
لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا، وقطع العلاقات الدبلوماسية.
المادة 42
صفحه نامشخص
إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة.
المادة 43 (1) يتعهد جميع أعضاء الأمم المتحدة في سبيل المساهمة في حفظ السلم والأمن الدولي، أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن - بناء على طلبه وطبقا لاتفاق أو اتفاقات خاصة - ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدولي، ومن ذلك حق المرور.
تألف مجلس الأمن في بدايته من أحد عشر عضوا (أو دولة)، وهو العدد الذي زاد إلى خمسة عشر في عام 1965. خمس من هذه الدول - الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا والصين وروسيا (الاتحاد السوفييتي حتى عام 1991) - أعضاء دائمون (تعرف بالدول الخمس دائمة العضوية). الأعضاء العشرة الآخرون غير دائمين، وتنتخبهم الجمعية العامة لفترات قوامها عامان. تعكس عملية اختيار الأعضاء السعي لإيجاد بعض التوازن الإقليمي، الذي نادرا ما يكون مثاليا؛ إذ تحصل أفريقيا على ثلاثة مقاعد، وتحصل أوروبا الغربية والأوقيانوس، وآسيا، وأمريكا اللاتينية والكاريبي على مقعدين لكل منها. أما المقعد الأخير فمحجوز لأوروبا الشرقية. وكل عام يغادر خمسة من الأعضاء العشرة غير الدائمين مجلس الأمن ويحل محلهم خمسة أعضاء آخرون.
ملمحان أساسيان يميزان مجلس الأمن عن عصبة الأمم؛ أولا: قرارات مجلس الأمن ملزمة وتستلزم أغلبية تسع دول من أصل خمس عشرة - بدلا من الإجماع التام كما كان الحال في عصبة الأمم - لاعتمادها. ثانيا: من الجلي أن الأعضاء الدائمين أعلى سلطة من الأعضاء غير الدائمين؛ إذ تستطيع أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية منع أي قرار من خلال استخدام حق النقض. تسبب هذا الشرط في دعوات عديدة للإصلاح؛ فربما كانت الدول دائمة العضوية «قوى عظمى» في عام 1945، ومن المؤكد أنها كانت القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لكن ليس هذا هو الحال في القرن الحادي والعشرين. لكن منذ تأسيس الأمم المتحدة كان الإصلاح الكبير الوحيد هو زيادة عدد الأعضاء غير الدائمين في عام 1965.
ظل تركيز السلطة في يد الدول الخمس دائمة العضوية محل انتقاد، وهو ما يرجع في أغلبه إلى أن مجلس الأمن يمارس نطاقا عريضا من السلطات على ما تبقى من نظام الأمم المتحدة. على سبيل المثال: يستطيع مجلس الأمن أن يوصي بقبول دولة جديدة في الأمم المتحدة، وهو يختار الأمين العام، إلى جانب أنه يختار - مع الجمعية العامة - قضاة محكمة العدل الدولية.
وسواء أكان هذا الوضع يشوبه الخطأ أم لا، فإن مجلس الأمن - ودوله الخمس دائمة العضوية - يهيمن على جميع الأجهزة الأخرى بالأمم المتحدة. (3) الجمعية العامة
إذا كان مجلس الأمن هو المكان الذي تستجيب فيه الأمم المتحدة - أو الدول الأعضاء بالمجلس في أي وقت بعينه - للصراعات العديدة في العالم، فإن الجمعية العامة هي المنتدى الذي تستطيع أي دولة من الدول المائة واثنتين وتسعين الأعضاء أن تعرض قضيتها فيه على العالم. فالجمعية العامة - بوصفها هيئة المناقشة الرئيسية للأمم المتحدة - تشبه في مناح كثيرة البرلمان القومي؛ فكل دولة من الدول الأعضاء - بصرف النظر عن حجمها - لها صوت. هذا الترتيب يجعل الجمعية العامة شبيهة بمجلس الشيوخ الأمريكي، حيث تمثل كل ولاية من الولايات الخمسين بنائبين بصرف النظر عن التعداد السكاني أو مساحة الولاية. وهذا الموقف عبثي بطريقة ما؛ فجزيرة توفالو ضئيلة الحجم، البالغ عدد سكانها 11600 نسمة لها تمثيل مساو لجمهورية الصين الشعبية والهند، التي يتجاوز عدد سكان الواحدة منهما المليار نسمة.
شكل 2-1: نيكيتا خروشوف - رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي - في اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر عام 1960. أكثر ما علق بالذاكرة عن زيارته هو اليوم الذي قرع فيه الزعيم السوفييتي المتحمس منصة القراءة بحذائه لإثبات وجهة نظره.
2
إن حجم الجمعية العامة ذاته يعني أن فعاليتها محدودة. فالاجتماعات السنوية - أو الدورات العادية - التي عادة ما تفتتح في شهر سبتمبر باتت بمنزلة طقوس، ولا تحظى بالاهتمام إلا إذا ارتبطت بظهور شخصية شهيرة، كرئيس الولايات المتحدة الأمريكية مثلا. في الواقع، لقد اكتسبت الجمعية العامة للأمم المتحدة أهميتها الأوضح كمنتدى للتعبير عن الاحتجاج من قبل الشعوب الراغبة في الاعتراف بها كدول (كالفلسطينيين منذ السبعينيات).
صفحه نامشخص
إن شمولية الجمعية العامة هذه - والأمم المتحدة باختصار - هي أكبر نقاط ضعفها: فمع هذا العدد الكبير من الأعضاء الممثلين، لا تتاح أمام القضايا الخلافية فرصة كبيرة للحسم حسما تاما، وسبب هذا هو أن القرارات بشأن القضايا الجوهرية - كالسلم والأمن، وقبول أعضاء جدد، والأمور المتعلقة بالميزانية - تتطلب أغلبية الثلثين (والقرارات الخاصة بالقضايا الأخرى تتطلب الأغلبية العادية). وبخصوص قضايا الأمن الدولي تتبع الجمعية العامة لمجلس الأمن، ومن ثم تعتمد على اتفاق الدول الخمس دائمة العضوية.
بطرق عدة، تعمل الجمعية العامة على نحو شبيه بالبرلمان الوطني؛ فلديها رئيس وواحد وعشرون نائبا للرئيس! لكن على عكس أغلب البرلمانات الوطنية بأحزابها السياسية، تقسم الجمعية العامة وفق الحدود الإقليمية. فرئاسة الجمعية - على سبيل المثال - تدور مناوبة كل خمس سنوات بين خمس مجموعات من الدول: الأفريقية، والآسيوية، ودول شرق أوروبا، وأمريكا اللاتينية والكاريبي، ودول أوروبا الغربية ودول أخرى (مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا).
إضافة إلى ذلك، تنفذ أعمال الجمعية العامة في عدد من اللجان ذات العضوية المحدودة أكثر، وهذه اللجان معنية بقضايا محددة على غرار لجنة نزع السلاح والأمن الدولي (اللجنة الرئيسية الأولى)، واللجنة الاقتصادية والمالية (الثانية)، ولجنة الشئون الاجتماعية والإنسانية والثقافية (الثالثة). وكما هو الحال فيما يخص الرئاسة ونيابة الرئاسة، يجري اختيار عضوية اللجان ورئاستها على أساس إقليمي؛ على سبيل المثال: في عام 2006 ترأست اللجنة الأولى نرويجية، والثانية إستونية، والثالثة عراقي، والرابعة نيبالي، وهكذا دواليك.
إذا كان مجلس الأمن قد ظل جامدا على نحو لافت من حيث قواعده وعضويته، فإن الجمعية العامة هي أكثر هيئات الأمم المتحدة التي شهدت زيادة تدريجية في عدد الدول الأعضاء؛ من 51 دولة في عام 1945 إلى 192 دولة اليوم . هذه الزيادة البالغة في العضوية أثرت على الأمم المتحدة بعدد من الطرق المهمة، أهمها قد يكون بلورة التنمية الاقتصادية والاجتماعية كقضايا جوهرية على جدول أعمال الأمم المتحدة. وأثرت أيضا على عمل القائمين على إدارة المنظمة على أساس يومي. (4) الأمين العام: هل هي «أصعب وظيفة على الأرض»؟
تخدم الأمانة العامة للأمم المتحدة الأجهزة الرئيسية الأخرى للأمم المتحدة وتدير البرامج والسياسات التي تضعها هذه الأجهزة. على رأس الأمانة يوجد الأمين العام، الذي تعينه الجمعية العامة، وفق توصية من مجلس الأمن، لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد. تتكون الأمانة العامة بأكملها من نحو تسعة آلاف موظف مدني دولي يعملون في مراكز عمل تابعة للأمم المتحدة في العالم (أبرزها في أديس أبابا وبانكوك وبيروت وجنيف ونيروبي ونيويورك وسانتياجو وفيينا).
يتسم دور الأمانة العامة بالتعقيد؛ إذ يتراوح بين المناصرة العامة للعديد من قضايا الأمم المتحدة والإدارة اليومية لبرامجها الاقتصادية والاجتماعية المتعددة، إلى التعامل الدبلوماسي مع الأزمات، والإشراف على عمل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مناطق الصراع في العالم. لم تكن الموازنة بين هذه المهام تحت الضغط المتواصل من الدول الأعضاء بالمهمة السهلة قط لهذه الهيئة الصغيرة نسبيا من الموظفين المدنيين الدوليين الذين هم - في نهاية المطاف - من مواطني الدول الأعضاء. إن عمل الأمانة العامة، بفعل تركيبة موظفيها نفسها، واقع تحت ضغط دائم من جانب كل من واجبات الدولة القومية والأهداف العالمية. فهل يمكن للمرء أن يتوقع حقا ألا يستخدم مواطن إحدى الدول منصبه كموظف بالأمم المتحدة لدفع سياسات معينة يكون لها أثر إيجابي على بلده الأم؟
شكل 2-2: في مطار ساليسبري، روديسيا الجنوبية، يرافق حرس الشرف جثمان داج همرشولد على متن طائرة لرحلة العودة إلى مسقط رأسه بالسويد. قتل همرشولد في حادث طائرة في عام 1961 أثناء محاولته حل إحدى الأزمات بالكونغو.
3
أثرت هذه النقطة تأثيرا واضحا على تكوين الأمانة العامة واختيار الأمين العام للأمم المتحدة. فمنذ عام 1946 والأمين العام هو واجهة المنظمة، إلى جانب كونه كبير الموظفين الإداريين. يجمع منصب الأمين العام بين رؤية وتوقعات هائلة، وسلطات محدودة في الوقت ذاته. وكل من الأمين العام والأمانة العامة، الذي يفترض بهما في الأحوال المثالية الاستقلال عن التحيزات القومية والسمو فوق السياسة، لا يمكنهما العمل إجمالا دون دعم الدول القومية الأعضاء بالأمم المتحدة، وعلى رأسها الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن. ولأن مقر الأمم المتحدة يقع في نيويورك، فالأمين العام يخضع لرقابة وسائل الإعلام الأمريكية تحديدا - ناهيك عن نقدها وازدرائها - داخل أقوى دولة قومية في العالم.
لخص أول أمين عام للأمم المتحدة، النرويجي تريجفي لي، صعوبات المنصب وهو يورث المنصب للسويدي داج همرشولد في عام 1953 بقوله: «مرحبا بك في أصعب وظيفة على وجه الأرض.» وفي وقت سابق على هذا كان لي - الذي اضطر للتعامل مع قضايا صعبة كاندلاع الحرب الكورية - قد تحدث للصحافة قائلا: «سآخذ متاعب الماضي، وكل الإحباطات والأوجاع، ثم أصرها في حقيبة وألقي بها في نهر إيست ريفر.»
صفحه نامشخص
4
على الأرجح يتفق خلفاء لي مع هذا التقييم المرح؛ ففي الواقع صار منصب الأمين العام للأمم المتحدة أكثر صعوبة على مر العقود مع زيادة عدد الدول الأعضاء بالأمم المتحدة وتنوعها. ومع ذلك فقد ترك بعضهم إرثا ذا قيمة؛ على سبيل المثال: أيد داج همرشولد إنشاء قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة؛ تلك القوات ذات الخوذات الزرقاء التي جابت مناطق الصراع في العالم على امتداد نصف القرن المنصرم، وساعد أيضا على دفع التنمية الاقتصادية إلى صدارة جدول أعمال الأمم المتحدة. لا ريب أن فترة تولي همرشولد للمنصب تزامنت مع الزيادة السريعة في عدد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك مع انتشار عملية إنهاء الاستعمار في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات. إن همرشولد - الملتزم التزاما شخصيا بجعل الأمم المتحدة لاعبا أساسيا في الشئون الدولية - لم يسمح للأمم المتحدة بأن تكون رهينة لعداوات الحرب الباردة التي هددت بالانتشار إلى الأجزاء المستقلة حديثا من العالم. وقد قتل همرشولد في حادث تحطم طائرة في عام 1961 - وبهذا صار شهيدا بشكل ما - وسط أزمة الكونغو، وهي واحدة من الصراعات العديدة التي نشأت بعد انتهاء الاستعمار.
لم يتمتع أغلب الأمناء العموم التالين بمثل هذا الانفتاح على العالم، وهو ما يعود في جزء منه إلى الحرب الباردة الجارية والزيادة المهولة في عدد الدول الأعضاء التي جعلت عملية إدارة الأمم المتحدة متزايدة الصعوبة. ظل اختيار الأمين العام للأمم المتحدة قضية حساسة للغاية بالمثل؛ إذ إن لكل دولة من الدول الخمس دائمة العضوية حق نقض القرار، ولهذا أسفرت عملية الاختيار عن سلسلة من الحلول الوسط التي أنتجت عددا من الأمناء العموم المفتقدين للفعالية نسبيا: البورمي يو ثانت، والنمساوي كورت فالدهايم، والبيروفي خافيير بيريز دي كويار، والمصري بطرس بطرس غالي، على الرغم من أنها وسعت حق شغل المنصب لما وراء دول شمال أوروبا. وإحقاقا للحق، حاول كل هؤلاء الرجال (وإلى الآن كل من شغل هذا المنصب كانوا رجالا) الحفاظ على نزاهة مكاتبهم وصورتها العامة الجيدة بأفضل ما يستطيعون. لكن تحيزات الحرب الباردة، والتأثير الأمريكي الغالب في التسعينيات، في حالة بطرس غالي، حكما على أي جهد لتعزيز استقلالية الأمم المتحدة بالفشل.
الأمناء العموم للأمم المتحدة
1946-1952
تريجفي لي، النرويج
1953-1961
داج همرشولد، السويد
1961-1971
يو ثانت، ميانمار (بورما)
صفحه نامشخص
1972-1981
كورت فالدهايم، النمسا
1982-1991
خافيير بيريز دي كويار، بيرو
1992-1996
بطرس بطرس غالي، مصر
1997-2006
كوفي عنان، غانا
2007-
بان كي مون، جمهورية كوريا (كوريا الجنوبية)
صفحه نامشخص
وأخيرا، كان الأمين العام التالي الذي تميز لتركه بصمة مهمة على المنظمة هو الغاني كوفي عنان؛ فخلال فترة توليه للمنصب، تبنت الأمم المتحدة ما سمي بأهداف الألفية، وهي مجموعة عريضة من الإرشادات الهادفة لتقليل الفقر في العالم إلى النصف بحلول عام 2015. أيضا بدأ عنان عملية الإصلاح التدريجي لهيكل الإدارة التنفيذية للأمم المتحدة وقادها بنفسه؛ تلك العملية التي تهدف لجعل الأمم المتحدة منظمة أكثر فعالية. لكن الأكثر أهمية على الأرجح هو قدرة عنان معسول اللسان ذي الشخصية الآسرة على الحفاظ على إيجابية صورة الأمم المتحدة في الأوقات التي تعرضت فيها أهميتها - ونزاهة عامليها - للتشكيك على نحو متزايد. وعلى غرار همرشولد، فاز عنان - أول أمين عام للأمم المتحدة قضى حياته المهنية موظفا بالأمم المتحدة - بجائزة نوبل للسلام. ومع هذا، فقد شهدت الأعوام الأخيرة في فترة عنان تحديات عديدة، كالصراع حول غزو العراق بقيادة أمريكا، وعجز الأمم المتحدة عن وضع نهاية سريعة للقتال الذي نشب على الحدود الإسرائيلية اللبنانية في عام 2006، والاتهامات بتفشي الفساد في أروقة الأمم المتحدة (التي طالت ابن عنان نفسه، ضمن آخرين). ومن المؤكد أن عنان شعر بنوع من الراحة لدى مغادرة مكتبه في نيويورك وتسليم المنصب إلى بان كي مون في ديسمبر عام 2006.
في الواقع، تتسبب مشكلات عديدة في إعاقة عمل كل من الأمانة العامة ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة، ومن بين هذه المشكلات التعنت البيروقراطي، والروتين الحكومي، وعجز الميزانية، وسوء الإدارة. وأهم ما في الأمر هو أن العقود الستة الأخيرة أظهرت صعوبة الحفاظ على طاقم عاملين دولي داخل نظام يجعل الأمانة العامة - شأن السواد الأعظم من الأمم المتحدة - رهن رغبات الدول الخمس دائمة العضوية. إضافة إلى ذلك، أي محاولات لتحقيق الانسيابية في عمل الأمم المتحدة تواجه بتحديات يستحيل تخطيها تقريبا مع كثرة المنظمات التي تؤلف أسرة الأمم المتحدة والعاجزة عن العمل بكفاءة في أحيان كثيرة.
صعوبة أخرى تواجه جهود إصلاح الأمم المتحدة تنبع من نقطة تفرد المنظمة؛ عضويتها العالمية. فأسفل الخطب البلاغية السامية التي تلقى بالجمعية العامة ومجلس الأمن تقبع طبقات فوق طبقات من الطموحات والغايات القومية المتنافسة. من المفترض بطاقم العاملين متعدد الجنسيات العامل تحت إشراف الأمين العام أن يرقى فوق مثل هذه التفاهات، لكن على أرض الواقع يستحيل هذا تقريبا. فعلى المستوى العملي، يجلب أعضاء الأمانة العامة معهم أساليبهم الإدارية القومية والثقافية، إلى جانب أخلاقيات العمل والتفضيلات الثقافية القادرة بدورها على خلق صراعات حادة بين الأشخاص وإلحاق الضرر بفعالية أي إدارة أو مكتب ميداني للأمم المتحدة. إن مراعاة الإجازات القومية والدينية - كمثال بسيط - يمكن في بعض الأوقات أن تتزامن مع اجتماعات أو مؤتمرات مهمة. ومن قبيل المفارقة أن إيجاد السبل لتجنب التوتر القائم بين الثقافات ليس أحد الشروط المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وحسب، بل هو جزء من الحياة اليومية داخل المنظمة نفسها. (5) المجلس الاقتصادي والاجتماعي والأخوات الثلاث
تحت ولاية الأمم المتحدة، ينسق المجلس الاقتصادي والاجتماعي «العمل الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة وعائلة منظمات الأمم المتحدة»، ومن ثم «يلعب دورا جوهريا في تعزيز التعاون الدولي من أجل التنمية». يبدو هذا مقبولا ومنطقيا. اضطلع مجلس الأمن بقضايا الأمن العسكري الخطيرة، ومن ثم ترك المجلس الاقتصادي والاجتماعي يتعامل مع القضايا ذات الصلة بالأمن الاقتصادي. لم يؤخذ هذا الأمر باستخفاف؛ إذ إن كثيرا من المفاوضين الذين اشتركوا في وضع مسودة ميثاق الأمم المتحدة رأوا في الكساد الاقتصادي للثلاثينيات السبب الرئيسي للحرب العالمية الثانية.
في الحقيقة، ليس المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلا جزءا عديم الحيلة نسبيا من هيكل الأمم المتحدة؛ ففي ظل وجود أربع وخمسين دولة تمثل ربع أعضاء الأمم المتحدة تقريبا، تنتخب كل واحدة منها بواسطة الجمعية العامة لدورة مدتها ثلاث سنوات (على أساس «التمثيل الجغرافي العادل»)، يشرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي على عدد من اللجان الوظيفية (على غرار لجنة حقوق الإنسان ولجنة التنمية المستدامة) والإقليمية. ترصد لجنة حقوق الإنسان - على سبيل المثال - مراعاة حقوق الإنسان في أنحاء العالم (وعمل مجلس حقوق الإنسان الجديد إلى جانب مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان قبل عام 2006). تركز هيئات أخرى على التنمية الاجتماعية، ووضع المرأة، ومنع الجريمة، والعقاقير المخدرة، وحماية البيئة. وتدعم خمس لجان إقليمية التنمية والتعاون الاقتصاديين في مناطقها. لكن تظل مهمة المجلس الاقتصادي والاجتماعي غير منظمة، تماما مثل هيكله.
في الواقع، تكمن القوة الاقتصادية العالمية الحقيقية داخل أسرة الأمم المتحدة في كنف ما يسمى بالشقيقات الثلاث: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، ولكل واحدة منها نطاق مسئوليات خاص بها. فالبنك الدولي - ومقره واشنطن - الذي عرف في البداية باسم البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية، مؤسسة متعددة الجوانب تقرض المال للحكومات والوكالات الحكومية من أجل مشروعات التنمية، أما صندوق النقد الدولي - والموجود أيضا في واشنطن - فيقرض المال للحكومات للمساعدة على استقرار العملات والحفاظ على النظام في الأسواق المالية الدولية. ومنظمة التجارة العالمية - ومقرها جنيف - تأسست عام 1995 لتحل محل الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة (الجات)، وهدفها العام هو تقليل التعريفات الجمركية وغيرها من حواجز التجارة.
بالرغم من تمتع الشقيقات الثلاث بسلطة وتأثير عظيمين، فإن تلك المؤسسات تنتقد لتفضيلها نظام السوق الحرة القائم على غيره من البدائل المحتملة. في الواقع، تمنح قواعد الإدارة داخل هذه المؤسسات بعض الدول أفضلية واضحة في اتخاذ القرار؛ ففي صندوق النقد والبنك الدوليين يرجح التصويت بناء على مساهمات كل دولة على حدة، يعني هذا أن الولايات المتحدة تملك (في عام 2005) قرابة 17 بالمائة من الأصوات، فيما تملك الدول الصناعية السبع الكبرى (بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة) حوالي 45 بالمائة من الأصوات مجتمعة. لا يطبق مبدأ صوت واحد لكل دولة هنا! بل في الواقع، يملك أكبر «المساهمين»؛ الولايات المتحدة، حق النقض الدائم لقرارات صندوق النقد والبنك الدوليين. وقد تعززت هيمنة الغرب على هذه المؤسسات أكثر من خلال التقليد القديم المتمثل في اختيار أمريكي لرئاسة البنك الدولي، وأوروبي مديرا عاما لصندوق النقد الدولي.
رؤساء البنك الدولي *
مديرو عموم صندوق النقد الدولي
يوجين ميير، 1946
صفحه نامشخص
كميل جوت (بلجيكا)، 1946-1951
جون جيه ماكلوي، 1947-1949
إيفار رووث (السويد)، 1951-1956
يوجين آر بلاك، 1949-1963
بير ياكوبسون (السويد)، 1956-1963
جورج دي وودز، 1963-1968
بيير-بول شفايتزر (فرنسا)، 1963-1973
روبرت ماكنمارا، 1968-1981
يوهان ويتيفين (هولندا)، 1973-1978
آلدن دابليو كلاوسن، 1981-1986
صفحه نامشخص