278

ادبای عرب در عصر عباسی

أدباء العرب في الأعصر العباسية

ژانرها

هو أحمد بن الحسين المعروف ببديع الزمان، وكنيته أبو الفضل، ولد بهمذان

6

وبها نشأ، وإليها انتسب. ثم فارقها سنة 380ه/990م وهو في ميعة الصبى وربيع الشباب. ووفد على الصاحب بن عباد في الري فحظي عنده. ثم قدم جرجان، فداخل فيها الإسماعيلية، وتعيش في أكنافهم. ثم قصد إلى نيسابور فوافاها سنة 382ه/992م فأملى فيها مقاماته، وناظر أبا بكر الخوارزمي.

مناظرته مع أبي بكر

لا نعلم من أمر هذه المناظرة إلا ما أملاه بديع الزمان عنها، فإن مؤرخي الآداب لم يذكروا من أخبارها غير ما أورده الثعالبي في يتيمة الدهر. وهو لا يكاد يتعدى الإشارة بأوجز عبارة، ولا يزيد على الإخبار بوقوعها، وانقسام الناس بين المتساجلين، وهبوب ريح الهمذاني لتصديه لشيخ راسخ القدم صليب العود كالخوارزمي، وهو لم يزل غض الحداثة، مقتبل الشباب. ولكن البديع فصلها في إحدى رسائله تفصيلا وافيا، وذكر جميع ما جرى فيها من منافسات، ومباهيات، ومشاتمات. وخلاصتها: أن أبا الفضل دخل نيسابور صفر الكف، رث الهيئة؛ لأن اللصوص دهموه ورفاقه. وهم في بعض الطريق، فابتزوا ما معهم من دراهم وثياب . وكان أبو بكر في نيسابور. فزاره البديع فلم يلق لديه وفادة حسنة. وإنما لقي صلفا وتكلفا لرد السلام، فعاد من عنده، وكتب إليه يعاتبه. فرد عليه يستنكر عتابه، وينكر ألا يكون وفاه حقه، ونسبه إلى العربدة فسكت البديع. وانقطع عن ذكر أبي بكر. ومضى على ذلك شهر فجعل الخوارزمي يعرض ببديع الزمان، ثم لا يكتفي بالتعريض حتى يعلن: «وجعلت عواصفه تهب. وعقاربه تدب.» وطلب أن يجمع بينه وبين الهمذاني. وعرف البديع فكتب إليه يعرض عليه المناظرة، فاجتمعا مرتين بمشهد من القضاة والفقهاء والأشراف وغيرهم من سائر الناس. وتقارعا، فقرعه البديع بالمهاترة والتحقير والمشاتمة، ونفسه بالمبادهة والحفظ، والشعر، والترسل، واللغة والعروض، والسجع. وخرج البديع رافع الرأس. وأبو بكر منكسا: «ولما خرجت لم يلقوني إلا بالشفاه تقبيلا، وبالأفواه تبجيلا. وانتظروا خروجه إلى أن غابت الشمس، ولم يظهر أبو بكر حتى حضر الليل بجنوده، وخلع الظلام عليه فروته.»

فنتيجة المناظرة على رواية الهمذاني نصر مبين له، وخذلان مهين للخوارزمي، غير أننا لا يسعنا أن نطمئن كل الاطمئنان إلى روايته وهو أحد الخصمين. وليس لنا مستند سواها يشفع لها ويزكيها، فهي أشبه برواية الحاتمي لمناظرته مع المتنبي. ومن تدبرها بروية وأناة رأى فيها من صلف البديع واعتداده بنفسه، وتحامله على أبي بكر ما يجرح حقيقتها، ويلقي الشبهات عليها، فإنه جعله ينخذل في جميع العلوم التي ناظره فيها، ولم يتركه مرة يبلغ شأوه في باب من الأبواب، حتى في الترسل واللغة والسجع، مع أن أبا بكر طويل الباع في هذه الفنون. ولم يرو له من الشعر إلا كل غث ساقط. وبلغ من تجهيله إياه أن جعله لا يعرف أن للشاعر أن يصرف ما لا ينصرف، وهذا لا يكاد يجهله صبيان الكتاتيب.

ولم يقتصر على تحقيره وإخزائه، بل حقر شهوده وأخزاهم، ورماهم بأقبح الأوصاف: «رجال يلعن بعضهم بعضا، فصاروا إلى قلب المجلس وصدره، حتى رد كيدهم في نحرهم، وأقيموا بالنعال إلى صف النعال.» مع أنه أفاض النعوت الحسنة على من كانوا له شهودا وأنصارا.

وإنا - وإن كنا نكبر عبقرية أبي الفضل ونؤثره على أبي بكر - لا نرى بدا من الشك في روايته. فغير معقول أن ينهزم خصمه على هذه الصورة الفاضحة ويصلد زنده في جميع الفنون، لا تقتدح ناره، ولا يهب شراره، وهو أحد شيوخ العلم، وأيمة الأدب، ومناظره فتى في أول عمره.

وقد رأينا أن الثعالبي لم يذكر في يتيمته أن البديع قهر أبا بكر، وإنما ذكر انقسام الناس بينهما، وأن هذه المناظرة كانت سببا لنباهة الهمذاني. ولا غرو في ذلك، فإن تصدي فتى رطب لشيخ يابس العود، ومقارعته له بمشهد من العلماء، لا بد له أن يطير بشهرته، ويجعل اسمه على الأفواه. وغير عجيب أن ينقسم الناس بينه وبين خصمه، فهذا دأبهم في كل مناظرة. وأن يكثر أنصاره، وله من ظرف الصبا وجماله خير شفيع.

ولبث الخصام ناشبا بينهما بعد المناظرة، فكان أبو بكر يتتبع مقامات البديع ويطعن عليها، والبديع يتتبع شعر الخوارزمي ويعيبه، حتى قبض أبو بكر، فخلا الجو للهمذاني لا ينافسه فيه منافس، ودرت عليه أخلاف الرزق، فحسنت أحواله، وخفض عيشه.

صفحه نامشخص