وكاد لسانه يقول عمي جريا على عادة البيت وزائريه، ولكنه وقف عنها ليقول في اللحظة الأخيرة: يا بك.
وقال البك: تفضل يا بني، شف فيما تريدك أختك.
وطنت أختك في أذن خيري، ولكنه ما لبث أن ضحك منها في نفسه ساخرا! •••
عاد خيري مطمئنا إلى بيت نجيب، فما كان يستطيع أن يعود إلى بيته بعد أن أخبر أمه في الصباح أنه سيبيت ليلته عند نجيب ليذاكر، كان إذ ذاك يفكر في ليلة مع دولت، فأصبحت ليلة مع يسرية، أهناك فرق؟ هذه أخته وهذه أخته، ترى لو عادت إليه دولت؟ لا، كلهن إلا دولت، إنه يعرف حامد وبينهما صلات قوية، الأخوة مع حامد مشفوعة بصداقة وبأستذة من حامد وبمعروف قدمه هو لحامد، وحامده هو من عرفه بأخته وهو من أوصاه بها، وإن تكن دولت سهلة المنال إلا أنها ليست مثل يسرية ولا ليلى تباع لكل من يشتري، نعم هناك فرق، إذن فهو الضمير، ملعون أبو الضمير ومن عرف الضمير، النهاية، سليمة، على كل حال هكذا أحسن، بلغ الصديقان البيت وأذان الفجر يعلو، فقال كل منهما في نفسه: إن الله غفور رحيم، ثم لم يعقب أحدهما على الآذان بكلمة، أطرق كل منهما في صمت وراحا يصعدان السلم، وبلغا شقة صاحب البيت فوجداه خارجا وقد التف بعباءة وراح يتمتم مسبحا في طريقه إلى صلاة الفجر في الجامع.
وقال نجيب: حرما مقدما يا عم عبد الباقي أفندي.
ولكن عبد الباقي أفندي قال في حزم: يا سي نجيب، أنا لا أقبل هذه الأمور في بيتي أبدا، أنا مضطر أن أطلب منك أن تترك الشقة. - ماذا؟ لماذا يا عم عبد الباقي أفندي؟ كفى الله الشر! - اسأل صديقك، اسأله عن البنت المايعة التي كانت عنده الليلة، لقد رأتها زوجتي.
وسارع خيري قائلا: من؟ أنا؟ رأت ...
وقبل أن يكمل الجملة سارع نجيب يقاطعه: أبدا، أبدا يا عم عبد الباقي أفندي، لا بد أن الست أخطأت النظر، لم يأت لصديقي إلا صديقنا صلاح، أحيانا يخرج من غير طربوش. - من غير طربوش؟ أهذا كلام يا بني! أيمكن أن تخطئ زوجتي بين رجل وامرأة؟ لا يا بني، أرجوك أن تبحث عن مكان من أول الشهر.
وأطرق نجيب متظاهرا بالأسف وقال: أمرك يا عم عبد الباقي أفندي.
وحاول خيري أن يتكلم، ولكن نجيب أمسك بيده خفية فسكت، ثم توجها إلى السلم يكملان صعوده، ولكنهما لم يكادا حتى أوقف نجيب خيري مرة أخرى ممسكا بذراعه دون أن يحادثه، ومال نجيب على الدرابزين ونظر إلى الباب الخارجي حتى إذا اطمئن إلى خروج عبد الباقي أفندي قال لخيري: تعال.
صفحه نامشخص