81

The Prophetic Biography between Narrated Traditions and Quranic Verses

السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية

ژانرها

مقدارها.
وهذا ما يدلنا عليه تأكيد سابق في سورة النور لتوضيح هذا الأدب وهو في قوله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ حيث إن الآية ذكر لها المفسرون تفسيرين ما يعنينا هنا هو: اعتبار إضافة ﴿دُعَاءَ﴾ إلى ﴿الرَّسُولِ﴾ من إضافة المصدر إلى مفعوله، المقدر الفاعل ضمير المخاطبين، والتقدير: لا تجعلوا دعاءكم الرسول، فالمعنى نهيهم أن يدعوا الرسول ﷺ كما يدعو بعضهم بعضًا، وقدر الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمسلمين، حيث الخطاب: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾، ليكون حثًا على تلقي هذه الجملة بنشاط فهم، فنهاهم أن يدعوا الرسول ﵊ عند مناداته كما يدعو بعضهم بعضًا في اللفظ أو في الهيئة؛ فأما في اللفظ فبأن لا يقولوا: يا محمد، أو يا ابن عبد المطلب، ولكن يا رسول الله، أو يا نبي الله، وأما في الهيئة فبأن لا يدعوه من وراء الحجرات، وأن لا يلحوا في دعائه إذا لم يخرج إليهم كما جاء في السورة التي معنا نتكلم فيها عن آداب مخاطبة النبي ﷺ، وهي سورة الحجرات. لأن كل هذه الأخلاق من الجلافة التي لا تليق بعظمة قدر الرسول ﷺ فهذا أدب المسلمين، وسد لأبواب الأذى عن المنافقين. (١)
بيد أنه لا يسعنا مع ما وصلت إليه أحوال المسلمين اليوم إلا أن نشير إلى ما كان عليه أصحاب النبي ﷺ من الاستجابة لهذه التوجيهات والعمل بمقتضاها مسارعة لرضا الله تعالى، وتعظيمًا لأوامره، والتي تظهر أول ما تظهر في محبتهم لرسوله وتعظيمهم له ﷺ.
كان أول المسارعين إلى ذلك أبو بكر وعمر ﵄، ونذكرهما بالذات أولًا لكونهما خاصة الخاصة عند رسول الله ﷺ، ولورود ذكرهما في أسباب نزول الآيات التي

(١) انظر الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٣٠٩ - ٣١٠/ ١٨).

1 / 84