172

The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

ژانرها

وبِنحو ذلك قال الثعلبي (^١). ونَقَل الثعالبي الْخِلاف في الآية، فَقَال: واخْتَلَف العُلَمَاء في تَرْتِيب هَذه الآية، لأنَّ ظَاهِرَها يَقْتَضِي أنَّ الْخَلْق والتَّصْوير لِبَنِي آدَم قَبْل القَول للمَلائكَة أنْ يَسْجُدُوا، وقَد صَحَّحَتِ الشَّرِيعَة أنَّ الأمْر لَم يَكُنْ كَذلك. فَقَالَتْ فِرْقَة: الْمُرَاد بِقَولِه سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) آدَم، وإنْ كَان الْخِطَاب لِبَنِيه. وقال مجاهد: الْمَعْنى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) في صُلْبِ آدَم، وفي وَقْت اسْتِخْرَاج ذُرِّيَّة آدَم مِنْ ظَهْره أمْثَال الذَّرِّ في صُورَة البَشَر. ويَتَرتَّب في هَذَين القَولَين أنْ تَكُون (ثُمّ) على بَابِهَا في التَّرْتِيب والْمُهْلَة. وقال ابن عباس والرَّبيع بن أنس: أمَّا (خَلَقْنَاكُمْ) فآدَم، وأمَّا (صَوَّرْنَاكُمْ) فَذُرِّيَّته في بُطُون الأمَّهَات. وقال قَتادة وغَيره: بَلْ ذَلك كُلّه في بُطُون الأمَّهَات مِنْ خَلْقٍ وتَصْوير. وخَلص الثعالبي إلى أنَّ " (ثُمَّ) لِتَرْتِيب الإخْبَار بِهَذه الْجُمَل، لا لِتَرْتِيب الْجُمَل في أنْفُسِها" (^٢). واكْتَفَى القاسمي بِنقْل قَول أبي السُّعود، فإنه قال: وإنما نُسِبَ الْخَلْق والتَّصْوير إلى الْمُخَاطَبِين مَع أنَّ الْمُرَاد بِهِما خَلْق آدَم ﵇ وتَصْويره حَتْمًا، تَوْفِيةً لِمَقَام الامْتِنَان حَقَّه، وتَأكِيدًا لِوُجُوب الشُّكْر عَليهم، بالرَّمْزِ إلى أنَّ لهم حَظًّا مِنْ خَلْقِه ﵇ وتَصْويره، لِمَا أنهما لَيْسَا مِنْ الْخَصَائص الْمَقْصُورَة عَليه ﵇

(^١) الكشف والبيان، مرجع سابق (٤/ ٢١٨). (^٢) لجواهر الحسان، مرجع سابق (٢/ ٥).

1 / 172