انقلاب شعر مدرن از بودلر تا عصر حاضر (بخش اول): مطالعه
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
ژانرها
5 (ص710). وسيستمد من قانون العبث (ص438) تجاربه الخاصة بل وتجارب كل إنسان يجد نفسه معلقا بين السمو إلى قمة الوجد والمثال، والسقوط في قرارة الحضيض والعدم. إنه القانون الذي يحتم على الإنسان أن «يعبر عن عذابه عن طريق الضحك». وهو يتحدث كذلك عن «شرعية العبث» ويمجد الحلم لأنه يزود المستحيل بمنطق المحال المخيف.
هكذا يصبح العبث هو الأفق الذي تطل منه العين على اللاواقع هربا من سجن الواقع الضيق. وسوف يتعلم منه المتأخرون هذه النظرة. (5) إثارة السخط لذة أرستقراطية
كان من الضروري لمثل هذا الأدب الذي يحتاج إلى مثل هذه الأفكار أن يستثير أعصاب القارئ أو يصدمه ويبعده عنه. ولقد عرفنا كيف بدأ هذا التصدع في علاقة الأديب بجمهور القراء على يدي روسو ثم أدى بالرومانتيكيين إلى موضوعهم الأثير عن الشاعر الوحيد.
وقد التقط بودلير هذه الفكرة فزادها حدة، وأضفى عليها نوعا من الدرامية العدائية التي ستصبح فيما بعد طابعا عاما للأدب والفن الأوروبيين.
إنه يتحدث عن «اللذة الأرستقراطية التي تأتي من إثارة السخط» ويصف «زهور الشر» بأنها «متعة حارة بالمقاومة» وبأنها «نتاج الحقد والكراهية» وهو يرحب بأن يثير الأدب «صدمة عصبية» ويشيد بقدرته على إثارة أعصاب القارئ، وبأن هذا القارئ لم يعد قادرا على فهمه. استمع إليه وهو يقول: «إن الشعور الأدبي الذي كان فيما مضى منبعا لا نهائيا للأفراح، قد أصبح الآن ترسانة تعج بأدوات التعذيب» (ص519). ونخطئ لو تصورنا هذا كله مجرد صدى أو تقليد للنزعات الرومانتيكية ؛ فالواقع أن عوامل التنافر والنشاز الكامنة في الأدب قد صارت بالضرورة أسبابا للتنافر والنشاز بين العمل الأدبي وقارئه. (6) مسيحية محطمة
لا حاجة بنا الآن للكلام عن هذه العوامل والأسباب بالتفصيل، فربما يكون الكلام عن التنافر الأساسي في أدب بودلير وشخصيته بين النزعة المثالية والنزعة الشيطانية أخطر منه وأهم، وربما نرى فيه إحدى الخصائص الرئيسية التي تميز مضمون الشعر من بعده والتي سنصفها بالمثالية الفارغة.
يقول بودلير: «ينبغي علينا لكي ننفذ إلى روح الأديب أن نفتش عن الكلمات التي يكثر من استخدامها في أعماله؛ إن الكلمة تكشف عن الفكرة التي تتسلط عليه.» هذه العبارة يمكن أن تكون أساسا صالحا للتفسير، كما يمكن أن نطبقها على بودلير نفسه. فالإحكام الذي يسيطر على عالمه العقلي، وإصراره على تناول موضوعات قليلة العدد يدور في فلكها ويزيدها على الدوام عمقا؛ كل ذلك يسمح لنا أن نستشف عالمه من بعض الكلمات التي تتردد في أعماله. إنها المفاتيح التي نستطيع أن ننفذ بها إلى هذا العالم. وليس من العسير على القارئ المتأني أن يقسمها إلى مجموعتين متضاربتين. فهناك من ناحية كلمات كالظلام، والهاوية، والقلق، والصحراء، والقفر، والسجن، والبرودة، والسواد، والعفن ... وهناك على الجانب الآخر كلمات كالارتفاع، والزرقة، والسماء، والمثال، والنور، والصفاء ... ولا تكاد قصيدة من قصائد بودلير تخلو من هذا التضاد. بل لقد يتركز في تعبيرات تجمع هذا الصراع الجدلي في صورة مكثفة كأن يقول مثلا: «عظمة قذرة»، أو «منهار وساحر»، أو «رعب جذاب»، أو «أسود وناصع»، وعلماء الأدب يسمون هذه الوحدة التي تجمع بين طرفين لا يجتمعان عادة بالتناقض الظاهر،
6
وهي صيغة فنية من صيغ التعبير الأدبي تصلح لتصوير الأحوال والمواقف النفسية المعقدة، وليس عجيبا أن تكون هذه الصيغة الأدبية هي مفتاح شخصية بودلير وشعره. بل إن من محاسن الصدف حقا أن يوفق إليها «بابو» صديق بودلير فيسمي ديوانه «أزهار الشر».
على أن هذه الصيغ اللغوية المتناقضة تدل على شيء آخر يختفي وراءها ولا يستقيم لها معنى بدونه؛ ذلك هو التفكير المسيحي الذي لا يزال يتحرك في أعماق بودلير، وإن لم تبق منه إلا بقايا حطام. صحيح أنه لا يعد مسيحيا بالمعنى الحقيقي، ولكن من المستحيل أن نتصور وجوده بمعزل عن المسيحية.
صفحه نامشخص