رأى أسطرا مكتوبة بوضوح يليها فراغ أبيض. قلب الأوراق في ذهول، ثم حملق في وجه المدير العام كالأبله.
قال الرجل بحنق: اقرأ. - سيدي المدير .. لقد كتبتها حرفا حرفا. - خبرني كيف اختفت؟ - الحق أنه لغز غير قابل للتفسير. - ولكن أمامك آثار سن القلم! - سن القلم؟ - أعطني قلمك الساحر!
وتناول القلم بحركة حادة، وراح يرسم خطوطا على غلاف البيان، ولكنه لم يرسم خطا واحدا. - ليس به نقطة حبر واحدة!
تجلى الوجوم في صفحة وجهه العريض، فقال المدير بمرارة: بدأت بكتابة هذه الأسطر، ثم فرغ الحبر، ولكنك استمررت في الكتابة.
لم ينبس بكلمة. - لم تنتبه إلى أن القلم لا يكتب.
حرك يده حركة حائرة. - خبرني يا سيد أنيس كيف أمكن أن يحدث ذلك؟
أجل كيف؟ كيف دبت الحياة لأول مرة في طحالب فجوات الصخور بأعماق المحيط؟! - لست أعمى فيما أظن يا سيد أنيس؟
أحنى رأسه مستسلما. - سأجيب أنا عنك. إنك لم تر الصفحة لأنك مسطول! - يا سعادة ... - هذه هي الحقيقة، حقيقة معروفة للجميع، حتى السعاة والفراشين. وأنا لست واعظا، ولا ولي أمرك. افعل بنفسك ما تشاء، ولكن من حقي أن أطالبك بأن تمتنع وقت العمل عن البلبعة. - يا سعادة ... - دعنا من السعادة والتعاسة. حقق لي هذا الرجاء المتواضع وهو ألا تبلبع في أثناء العمل. - يشهد الله أني مريض! - إنك المريض الأبدي. - لا تصدق ما ... - كفاية! انظر في عينيك. - هو المرض ولا شيء سواه. - ما رأيت في عينيك إلا الاحمرار والظلام والثقل. - لا تستمع إلى كلام ... - عيناك تنظران إلى الداخل لا إلى الخارج كبقية خلق الله.
ثم ندت عن يديه المغطاتين بشعيرات بيضاء شعثاء حركة وعيد، وقال بنبرة حادة: للصبر حدود؛ فلا تستسلم للتدهور بلا حدود. وأنت رجل في الأربعين، وهي سن العقل؛ فكف عن العبث.
تراجع خطوتين استعدادا للذهاب، فقال الرجل: سأخصم من مرتبك يومين فقط، ولكن احذر أن تعود.
صفحه نامشخص