قال متأسفا: الغيرة ليست غريزة كما يقول الجاهلون، ولكنها تراث إقطاعي!
لست بغيا. اللعنة! يا رائحة النيل المضمخة بعبير رحلة طينية مرهقة. وثمة شجرة معمرة في البرازيل استوت على سطح الأرض قبل أن يوجد الهرم. هل أنا وحدي بين هؤلاء المساطيل الذي يضاحك هذه الموجة المستهترة؟ هل أنا وحدي الذي أسمعها وهي تهمس لي إن دق الباب أربعين دقة يتحقق لك ما لا يمكن أن يتحقق؟ فمتى ألعب بالمجموعة الشمسية لعب الهواة بالكرة؟ وذات يوم دفعت إلى معركة دامية، وأنا أخلص بين متخاصمين.
ومرق خارج الشرفة خفاش كالرصاصة، وراح يتأمل نقوش الصينية النحاسية المرسومة على هيئة دوائر متداخلة تفصل بينها مساحات محفورة بالترتر قد غشاها الرماد ونفايات المعسل. وغفا غفوة قصيرة حيث يجلس، ولما فتح عينيه وجد مصطفى راشد وأحمد نصر قد ذهبا. وأغلقت الحجرة المطلة على الحديقة على ليلى وخالد، والحجرة الوسطى على سنية وعلي السيد، أما رجب وسناء فقد وقفا في الشرفة يتناجيان. لم تبق خالية إلا حجرته، وأغلب الظن أنها ستغلق بابها في وجهه هذه الليلة. وتناجى العروسان: كلا. - كلا؟! جواب لا يليق بعصرنا! - المفروض أنني أذاكر عند صديقة. - فليكن الدرس عند صديق!
ومد ساقه فصدم الجوزة فألقاها على جانبها، فسال لعابها الأسود وتدفق نحو عتبة الشرفة.
لا أهمية لشيء. حتى الراحة لا معنى لها. ولم يبدع الإنسان ما هو أصدق من المهزلة.
وإذا بقامة عم عبده تحجب ضوء المصباح الغارق في الهاموش: آن الأوان؟ - نعم.
ومضى يجمع الأدوات ويكنس النفايات بهمة عالية، ثم نظر إليه متسائلا: متى تذهب إلى حجرتك؟ - فيها عروس جديدة! - أووه! - ألا يعجبك الحال؟
فضحك قائلا: فتيات شارع النيل ألطف وأرخص.
فقهقه أنيس طويلا حتى جرى صوته مدويا فوق سطح النيل وقال: يا جاهل، وهل هؤلاء كأولئك؟ - عندهن أعضاء أكثر؟ - كلا، ولكنهن سيدات محترمات. - أووه! - لا يبعن أنفسهن، ولكنهن يمنحن ويأخذن كالرجال سواء بسواء. - أووه! - أووه! - وهل لذلك ستنام في الشرفة حتى يغسلك الندى؟ - ما أجمل أن يغسلنا الندى!
فحياه مبتعدا وهو يقول: أنا ذاهب لصلاة الفجر.
صفحه نامشخص