زرت المقابر في ليلة من ليالي الشتاء، فخيل لي أني أسمع أقدام الموتى، فصرت أتلفت لأرى تلك الأقدام التي أسمع وقعاتها، ثم عوى الريح في زوايا القبور فحسبته أنين الموتى، فجعل الخيال المشبوب يملي علي وأنا أكتب:
ألا إن للموتى لصوتا كأنه
خرير المياه الجاريات على الصلد
ويحكي حفيف الغصن في لين وقعه
وطورا كأصداء الطبول على بعد
ويعول أحيانا كأعوال ثاكل
رمتها صروف الدهر في الولد الفرد
إنه ليخيل لي أن الأطفال يسمعون وقع أقدام الملائكة. ألم تر طفلا يصغي إليها فحسبته يصغي إلى غير شيء؟
ألم تسمع وقع أقدام الأفلاك في دوراتها؟ هل سما بك الخيال مرة بين الشمس والقمر والنجوم، فسمعت تلك النغمات الفضية التي تطلقها خطى الأفلاك في دوراتها؟ أم هل غبت مرة عن هذا الكون وجعلت ترخي للتفكير عنانه، حتى حسبت أنك كائن في غير هذا الكون، وقد خيل لك الوجود الذي لا جد له وهو يخطو في الفضاء فسمعت وقع أقدامه؟ آه! ما ألذ تلك السويعات التي يطلق المرء فيها من رق هذا الوجود، فيصير وجودا كائنا بذاته!
كلمة
صفحه نامشخص