قال واضع هذا الكتاب لما أكملت لكم يا بنى هذا الكتاب الذى قال واضع هذا الكتاب لما أكملت لكم يا بنى هذا الكتاب الذى هو جزء العلم فى الطب بكماله وبلغت الغاية فيه من وضوحه وبيانه رأيت أن أكمله لكم بهذه المقالة التى هى جزء العمل باليد لأن العمل باليد محسنه فى بلدنا وفى زماننا معدوم البتة حتى كاد أن يدرس علمه وينقطع أثره وإنما بقى منه رسوم يسيرة فى كتب الأوائل قد صحفته الأيدى وواقعه الخطاء والتشويش حتى استغلقت معانيه وبعدت فائدته، فرأيت أن أحييه وأؤلف فيه هذه المقالة على طريق الشرح والبيان والاختصار وأن آتى بصور حدائد الكى وسائر آلات العمل إذ هو من زيادة البيان ومن وكيد ما يحتاج اليه، والسبب الذى لا يوجد صانع محسن بيده فى زماننا هذا لأن صناعة الطب طويلة وينبغى لصاحبها أن يرتاض قبل ذلك فى علم التشريح الذى وصفه جالينوس حتى يقف على منافع الأعضاء وهيآتها ومزاجاتها واتصالها وانفصالها ومعرفة العظام والأعصاب والعضلات وعددها ومخارجها والعروق النوابض والسواكن ومواضع مخارجها، ولذلك قال ابقرات إن الأطباء بالاسم كثير وبالفعل قليل ولا سيما فى صناعة اليد، وقد ذكرنا نحن من ذلك طرفا فى المدخل من هذا الكتاب لأنه من لم يكن عالما بما ذكرنا من التشريح لم يخل أن يقع فى خطاء يقتل الناس به كما قد شاهدت كثيرا ممن تصور فى هذا العلم وادعاه بغير علم ولا دراية، وذلك أنى رأيت طبيبا جاهلا قد شق على ورم خنزيرى فى عنق امرأة فأبرى بعض شريانات العنق فنزف دم المرأة حتى سقطت ميتة بين يديه، ورأيت طبيبا آخر قد تقدم فى اخراج حصاة لرجل قد طعن فى السن وكانت الحصاة كبيرة فتهور فأخرجها بقطعة من جرم المثانة فمات الرجل الى نحو ثلاثة أيام، وكنت قد دعيت الى اخراجها فرأيت من عظم الحصاة وحال العليل ما قدرت عليه ذلك، ورأيت طبيبا آخر كان يرتزق عند بعض قواد بلدنا على الطب فحدث لصبى اسود كان عنده كسر فى ساقه بقرب العقب مع جرح فأسرع الطبيب بجهله فشد الكسر على الجرح بالرفائد والجبائر شدا وثيقا ولم يترك للجرح تنفسا ثم اطلقه على شهواته ثم تركه أياما وأمره أن لا يحل الرباط حتى تورم ساقه وقدمه وأشرف على الهلاك فدعيت اليه فأسرعت حل الرباط فنال الراحة واستقل من اوجاعه إلا أن الفساد قد كان استحكم فى العضو ولم أستطع ارداعه فلم يزل الفساد يسعى فى العضو حتى هلك، ورأيت طبيبا آخر بط ورما سرطانيا فتقرح بعد أيام حتى عظمت بلية صاحبه وذلك أن السرطان اذا كان محضا من خلط سوداوى فإنه لا ينبغى أن يعرض له بالحديد البتة إلا أن يكون فى عضو يحتمل أن يستأصل جميعه، ولهذا يا بنى ينبغى لكم أن تعلموا أن العمل باليد ينقسم قسمين عمل تصحبه السلامة وعمل يكون معه العطب فى اكثر الحالات وقد نبهت فى كل مكان يأتى من هذا الكتاب العمل الذى فيه الغرر والخوف فينبغى لكم أن تحذروه وترفضوه لئلا يجد الجاهل السبيل الى القول والطعن فخذوا لأنفسكم بالحزم والحياطة ولمرضاكم بالرفق والتثبت واستعملوا الطريق الافضل المؤدى الى السلامة والعاقبة المحمودة وتنكبوا الامراض الخطرة العسيرة البرؤ ونزهوا انفسكم عما تخافون أن يدخل عليكم الشبهة فى دينكم ودنياكم فهو ابقى لجاهكم وارفع فى الدنيا والآخرة لأقداركم، فقد قال جالينوس فى بعض وصاياه لا تداووا مرض سوء فتسموا أطباء سوء، وقد قسمت هذه المقالة على ثلثة ابواب، الباب الاول فى الكى بالنار والكى بالدواء الحاد مبوب مرتب من القرن الى القدم وصور الآلات وحدائد الكى وكل ما يحتاج اليه فى العمل باليد، والباب الثانى فى الشق والبط والفصد والحجامة والجراحات وإخراج السهام ونحو ذلك كله مبوب مرتب وصور الآلات، والباب الثالث فى الجبر والخلع وعلاج الوثى ونحو ذلك مبوب مرتب من القرن الى القدم وصور الآلات،
صفحه ۷