مكة فيبيت في الشام عند أهله، حتى إذا بلغ إسماعيل السعي أري في المنام أن يذبحه، فقال: يا بني، خذ المدية والحبل وانطلق بنا إلى الشعب لنحتطب، فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما قد ذكره الله عنه، فقال: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف عني ثيابك حتى لا تنتضح بدمي فتراه والدتي، واشحذ شفرتك، وأسرع مر السكين على عنقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد.
فقال إبراهيم: نعم العون أنت يا بني على أمر الله.
قال: فأقبل شيخ على إبراهيم، فقال: يا إبراهيم، ما تريد من هذا الغلام؟
قال: اريد أن أذبحه.
فقال: سبحان الله! تريد أن تذبح غلاما لم يعص الله طرفة عين قط.
قال إبراهيم: إن الله أمرني بذلك.
قال: ربك ينهاك عن ذلك، وإنما أمرك بهذا الشيطان.
فقال إبراهيم: لا والله، ثم قال الغلام: يا أبت، حمر وجهي، واشدد وثاقي.
فقال إبراهيم: الوثاق مع الذبح والله لا أجمعهما عليك اليوم، ثم تله لجبينه وأخذ المدية بيمينه، هذا والملائكة تنتحب والأرض تنحب، ثم رفع رأسه إلى السماء وانحنى عليه بالمدية، وقلب جبرئيل المدية على قفاها واجتر إليه الفدية من ثبير، واجتر الغلام من تحته، ووضع الكبش مكان الغلام، ونودي من ميسرة مسجد الخيف: (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين) (1).
صفحه ۷۵