[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل مصائب دار الغرور مصروفة إلى وجوه أوليائه، ونوائب بطشها المشهور موقوفة على جهة أصفيائه، ووعدهم على الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه، وأراهم فضل درجة الشهادة في منازل دار السعادة الباقية ببقائه، فبذلوا أرواحهم لينالوا الزلفى من رحمته، وباعوا أنفسهم من الله بنعيم جنته، وتلقوا حدود الصفاح (1) بشرائف وجوههم، وقابلوا رءوس صدور الرماح بكرائم صدورهم، فكورتهم وقد أظلم ليل نقع (2) الحرب، وبلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن والضرب، وكفر القتام (3) شمس النهار بركامه، وغمر الظلام فجاج الأقطار بغمامه، وخشعت الأصوات لوقع الصرام على هامات الرجال، وأشرقت الأرض بما سال عليها من شابيب الجريال (4)، فلم تر إلا رءوسا تقطف، ونفوسا تختطف، وأبطالا قد صبغت
صفحه ۲۷
جيوبها بدم الحتوف، وفرسانا وجبت جنوبها بغروب السيوف (1)، لرأيت منهم وجوها كالبدور في ظلم النقع مشرقة، واسدا في غاب (2) الرماح مطرقة، يرون الموت في طاعة ربهم راحة أرواحهم، وبذلوا الوسع في إعلاء كلمة خالقهم مجلية أفراحهم.
ليوث إذا ضربت الحرب جمرها، غيوث إذا السماء منعت درها، رهبان إذا الليل أرخى ستوره، أعلام إذا النهار أشاع نوره، مصابيح الظلام إذا الغسق غمت سدفته، مجاديح (3) الانعام إذا الزمان عمت أزمته، سادة الامة، وقادة الأئمة، ومعدن الحكمة، ومنبع العصمة، وبحار العلم، وبحار الحلم، إن سئلوا أوضحوا، وإن نطقوا أفصحوا، وإن استسمحوا جادوا، وإن استرفدوا عادوا، أصلهم معرق، وفرعهم معذق، وحوضهم مورود، ومجدهم محسود، وفخرهم ... (4)، النبوة أصلهم، والامامة نسلهم، لا شرف إلا وهم أصله، ... (5)
وامروا بالجهاد في سبيل الله فأتمروا، لبسوا القلوب على الدروع عند مكافحة الكفاح، وتلقوا بالخدود والصدور حدود الصفاح ورءوس الرماح، يرون طعم الموت في طاعة ربهم أحلى من العسل المشار (6)، وارتكاب
صفحه ۲۸
الأخطار في إعلاء كلمة خالقهم أولى من ركوب العار.
جدهم أكرم مبعوث، وخير مرسل، وأشرف مبعوث بالمجد الأعبل (1)، والشرف الأطول، لم يضرب فيه فاجر، ولم يسهم فيه عاهر، نقله الله من الأصلاب الفاخرة إلى الأرحام الطاهرة، واختصه بالكرامات الباهرة، والمعجزات الظاهرة، ونسخ الشرائع بشريعته، وفسخ المذاهب بملته، أقام به الاسلام وشد أزره (2)، وأوضح به الايمان وأعلا أمره، وجعله مصباحا لظلم الضلال، ومفتاحا لما استعلن من الأحكام، وأحيا به السنة والفرض، وجعله شفيع يوم الحشر والعرض، وأسرى به إلى حضيرة قدسه، وشرفه ليلة الاسراء بخطاب نفسه، فهو أشرف الموجودات، وخلاصة الكائنات، أقسم ربنا بحياته، وجعله أفضل أهل أرضه وسماواته، وأزلفه بقربه، واختصه بحبه، فهو سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، النبي المهذب، والمصطفى المقرب، الحبيب المجيب، والأمين الأنجب.
صاحب الحوض والكوثر، والتاج والمغفر، والخطبة والمنبر، والركن والمشعر، والوجه الأنور، والجبين الأزهر، والدين الأظهر، والحسب الأطهر، والنسب الأشهر، محمد سيد البشر، المختار للرسالة، الموضح للدلالة، المصطفى للوحي والنبوة، المرتضى للعلم والفتوة.
صاحب الفضل والسخاء، والجود والعطاء، والمذاكرة والبكاء،
صفحه ۲۹
والخشوع والدعاء، والانابة والصفاء.
صاحب الملة الحنيفية، والشريعة المرضية، والامة المهدية، والعترة الحسنية والحسينية.
صاحب الفضل الجلي، والنور المضي، والكتاب البهي، الرسول النبي الامي.
هذا الذي زينت بمدحه طروسي (1)، ورصفت بوصفه بديعي وتجنيسي، وقابلت بدر كماله تربيعي وتسديسي، وجعلت ذكره في خلواتي أليفي وأنيسي، وحليت المجامع بملاقي (2) مناقبه، وشققت المسامع بمعالي مراتبه.
هو الذي رفع الله به قواعد الصدق بعد اندراسها، وأطلع أنوار الحق بعد انطماسها، وأقام حدود السنة بجواهر لفظه، وحلى أجياد الشريعة بزواجر وعظه، وأطلع شمس الملة الحنيفية في فلك نبوته، وأظهر بدر الشريعة المصطفوية من مطالع رسالته، فتح به وختم، وفرض طاعته وحتم، ونسخ الشرائع بشريعته، ونسخ الملة بملته.
لم يخلق خلقا أقرب منه إليه، ولم ينشىء نشأ أكرم منه عليه، شرفه من فلق الصبح أشهر، ودينه من نور الشمس أظهر، ونسبه من كل نسب أطهر، وحسبه من كل حسب أفخر، لما أخلص لله بوفاء حقه، وسلك إلى الله بقدم صدقه، ورفض الدنيا رفضا، وقرضها قرضا، لعلمه بسوء مواقع فتكها، وحذرا من مصارع هلكها، أطلعه الله على أسرار ملكوته، وشرفه بخطاب حضرة
صفحه ۳۰
جبروته، وأرسله صادعا بحكمه، وجعله خازنا لعلمه، فقام (صلى الله عليه وآله) بأعباء الرسالة جاهدا، وباع من الله روحه مجاهدا، وقطع من قربت قربته، ووصل من بعدت لحمته، وهجر في الله الأدنين، ووصل الأبعدين، سل عنه احدا وبدرا كم خسف الله به فيهما للشرك بدرا، وهتك للشرك سترا، وقصم للظلم ظهرا، جاهد في الله حق جهاده، وصبر على الأذى في الله من جهاد عباده حتى كسرت في احد رباعيته، وشجت لمناوشته (1) القتال جبهته، وثفنت من دمه لمته (2)، وقتلت عترته واسرته.
كم نصبوا له غوائلهم (3)؟ وكم وجهوا نحوه عواملهم؟ وكم جردوا عليه مناصلهم (4)؟ وكم فوقوا إليه معابلهم (5)؟ وأبى الله إلا تأييده بنصره، وتمجيده بذكره.
[كتاب النبي (صلى الله عليه وآله) إلى كسرى]
روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كتب إلى كسرى بن هرمز:
أما بعد:
فأسلم تسلم، وإلا فأذن بحرب من الله ورسوله، والسلام على من اتبع الهدى.
قال: فلما وصل إليه الكتاب مزقه واستخف به، وقال: من هذا الذي يدعوني إلى دينه، ويبدأ باسمه قبل اسمي؟ وبعث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
صفحه ۳۱
بتراب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مزق الله ملكه كما مزق كتابي، أما إنكم ستمزقون ملكه، وبعث إلي بتراب أما إنكم ستمزقون (1) أرضه، فكان كما قال (صلى الله عليه وآله).
ثم كتب كسرى في الوقت إلى عامله على اليمن، وكان اسمه باذام (2)، ويكنى أبا مهران، أن امض إلى يثرب واحمل هذا الذي يزعم أنه نبي، وبدأ باسمه قبل اسمي، ودعاني إلى غير ديني، فبعث باذام الى النبي (صلى الله عليه وآله) فيروز الديلمي في جمع، وأرسل معه كتابا يذكر فيه ما كتب إليه كسرى، فأتاه فيروز بمن معه، وقال: إن كسرى أمرني أن أحملك إليه، فاستنظره (صلى الله عليه وآله) ليلته إلى الصباح.
فلما كان في (3) الغد حضر فيروز مستحثا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أخبرني ربي انه قتل صاحبك البارحة، سلط الله عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل، فأمسك حتى يأتيك الخبر، فراع ذلك فيروز وهاله، ورجع إلى باذام فأخبره.
فقال له باذام: كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه؟
فقال: والله ما هبت أحدا كهيبة هذا الرجل، فوصل الخبر إليه كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأسلما، وظهر في زمانهما العنسي (4) المتنبئ
صفحه ۳۲
باليمن وما افتراه من الكذب، فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيروز الديلمي، وقال: اقتله قتله الله، [فقتله] (1). (2)
[نزول سورة النجم]
وروت (3) العامة عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنها لما نزلت سورة
صفحه ۳۳
«والنجم إذا هوى» أخبر بذلك عتبة (1) بن أبي لهب، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وتفل في وجهه وطلق ابنته، وقال: كفرت بالنجم وبرب النجم، فدعا عليه رسول الله وقال: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، فخرج إلى الشام، فنزل في بعض الطريق، وألقى الله عليه الرعب، فقال لأصحابه ليلا: نيموني بينكم، ففعلوا، فجاء أسد فافترسه من بين الناس، ففي ذلك يقول حسان بن ثابت:
سائل بني الأشعر (2)إن جئتهم
ما كان أنباء أبي (3) واسع
لا وسع الله له قبره
بل ضيق الله على القاطع
رمى رسول الله من بينهم
دون قريش رمية القادع
واستوجب الدعوة منه بما
بين للناظر والسامع
فسلط الله به كلبه
يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه
وقد علتهم سنة الهاجع (4)
فالتقم الرأس بيافوخه
والنحر منه فغرة الجائع
من يرجع العام إلى أهله
فما أكيل السبع بالراجع
صفحه ۳۴
قد كان هذا لكم عبرة
للسيد المتبوع والتابع (1)
وبعد:
فيقول العبد الفقير، الذليل الحقير، المعترف بذنبه، المنيب إلى ربه، الذي لم يكتب له الكرام الكاتبون عملا صالحا، ولم تشهد له الملائكة المقربون يقينا ناصحا، إلا ما يتقرب به في كل آن من توحيد مالكه وربه، والانابة إليه بقالبه وقلبه، وجعل ذكره أنيس خلوته، وتلاوة كتابه جليس وحدته، بالتوسل إليه بأوليائه الطاهرين من أهل بيت نبيه، المتوكل عليه بمجاورة الأكرمين من ذرية وليه، وتشريف المنابر بذكر مناقبهم، وتزيين المحاضر بنشر مراتبهم، وإيضاح الدليل على سلوك سبيلهم، وشفاء الغليل بتشريفهم وتفضيلهم، وقمع رءوس من عاداهم بمقامع نظمه ونثره، وغيض نفوس من ناواهم بتواضع خطبه وشعره، محمد بن أبي طالب بن أحمد بن محمد المشهور بن طاهر بن يحيى بن ناصر بن أبي العز الحسيني الموسوي الحائري اما وأبا، الامامي ملة ومذهبا، الحسيني نسبا ومحتدا (2)، الكركي (3) منشأ ومولدا:
صفحه ۳۵
[في هجرة المؤلف (رحمه الله) من دمشق]
إني لما هجرت مهاجر أبي وامي وعمومتي وبني عمي ومسقط رأسي ومولدي، ومصدري في الامور وموردي، وهي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدسة، وهي في الحقيقة على غير تقوى الله مؤسسة، كم سب أمير المؤمنين على منابرها، واظهرت كلمة الكفر في منائرها، وعصي رب العالمين في بواطنها وظواهرها، وحملت رءوس بني النبي إلى يزيدها وفاجرها؟ فهي دار الفاسقين، وقرار المنافقين، ومغرس العصابة الناصبة، ومجمع الطائفة الكاذبة، أعني البلدة المشهورة بدمشق، معدن الفجور والغرور والفسق، ولما من الله بتوفيق الخروج منها، وتسهيل الطريق بالبعد عنها، وفارقتها غير آسف على حضرتها ونصرتها، ولا نادم على مفارقة جهتها وربوتها، أرى كل وارد من موارد يزيدها ثورا، وكل ملازم لباب يزيدها من المعدلين آثما أو كفورا، وكل عاكف بأمواتها من أعلام علمائها عتلا (1) فخورا، وكل زبرج (2) اجري على صفحات عروشها وجدرانها حرفا وغرورا.
علماؤها ذئاب بل ذباب، وامراؤها سباع بل كلاب، ونساؤها أبغى من هند البغية، ومخدراتها أزنى من أم زياد سمية، الابنة في علمائها فاشية، والدياثة من زعمائها ناشية، إن لامهم لائم على سوء فعلهم قالوا: «هذا تقدير ربنا» بكفرهم وجهلهم، أو أنبهم مؤنب بفجور نسائهم قالوا: «هذا ما كتب الله على جباههن» بكفرهم وضلالهم، فجدعا (3) لهم وكبا، وبؤسا وغبا.
صفحه ۳۶
وما عسى أن أقول في وصف قوم حنيت جوانحهم على بغض الوصي وعترته، وبنيت جوارحهم على إنزال الأذى بمواليه وشيعته: يسلقون المؤمنين بألسنة حداد، ويقصدون الصالحين بالبغي في كل ناد، ويتشادقون (1) بغيبتهم في محاضرهم ومجامعهم، ويعلنون بسبهم عقيب جمعهم في جوامعهم، يعدون يوم عاشوراء من أعظم أعيادهم وزينتهم، ويسمونه فجورا رأس سنتهم، ويعتقدون طبخ الحبوب تلك الليلة من أعظم سنتهم، والمصافحة بالأكف المخضوبة في ذلك اليوم من أفضل طريقهم وسنتهم، ويتهادون بالتحف والهدايا في المنازل، ويتباركون بإذخار الأدوية والأشربة من ذلك اليوم إلى قابل، ويقصدون بالأذى من بكى فيه على آل الرسول، ويتجسسون على من جلس لتعزية الطاهرة البتول.
وليس ذلك بعجيب من نفاقهم، ولا بغريب من شقاقهم، فقد ارتضعوا بغض الامام الوصي من أخلاف (2) اخلافهم، واشربوا هجر آل النبي من آبائهم وأسلافهم، أغصان الشجرة الملعونة في القرآن، وأفنان (3) دوحة البغي والعدوان، الذين أعلنوا بسب الله ورسوله على منابرهم، ودل قبح ظاهرهم على خبث سرائرهم، كم أظهروا الفساد في البلاد، وأشهروا العناد في العباد؟
وزين الشيطان للناس اتباعهم، وصير علماءهم أشياعهم وأتباعهم، فبذلوا لهم
صفحه ۳۷
الأموال، وولوهم الأعمال، فغرتهم الحياة الدنيا بزينتها، وفتنتهم بزهرتها، فبدلوا كلام الله بآرائهم، وحرفوا كتاب الله بأهوائهم، وسلكوا بقدم الغي إلى الباطل سبيلا، واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، وأنكروا فضل الوصي وما انزل فيه من الآيات، وجحدوا النص الجلي وما ورد في إمامته من الدلالات، تقربا إلى أئمة ضلالهم، وحرفوا مقال النبي طمعا في نوالهم.
[في مناقب ومثالب اصطنعتها العامة]
ألا ترى إلى أزكاهم البخاري قد ألغى حديث الخاتم وقصة الغدير وخبر الطائر (1) وآية التطهير؟
وإن أنصفهم مسلم قد أنكر حديث الكهف والإخاء، وطعن في حديث «أنا مدينة العلم»، وحديث اللوح.
وإن أشهرهم الطبري توقف عن حديث الوصية (2)، وتأويل (يوفون بالنذر) (3)، ونعم المطية، ومن أعلام مبشريهم وضلال مفتريهم من نور الآيات والأخبار المجمع عليها نحو (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) (4)، ونحو
صفحه ۳۸
أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وإني تارك فيكم الثقلين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا، وجماعة من كبار أنصابهم، وفجار نصابهم، جعلوا مقابل كل حق باطلا، وبإزاء كل قائل قائلا، مثل «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» (1) فوضعوا بإزائه «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة» (2)، و
صفحه ۳۹
«كان أحب الرجال إلى النبي علي، ومن النساء فاطمة» (1) فوضعوا الحديث في أبي بكر وعائشة (2)، وغروا الجاهل بمقالات الباطل ليدحضوا به الحق، ولو أردت لأوردت من أكاذيبهم وأغاليطهم، وزلفت من أباطيلهم ومخاليطهم، ما يعجز اللسان عن وصفه، ويكل البنان من رصفه، فأعرضت عن رقم ذلك في الدفاتر، وإن كان حاكي الكفر ليس بكافر.
شعر:
إذا ما روى الراوون ألف فضيلة
لأصحاب مولانا النبي محمد
يقولون هذا في الصحيحين مثبت
بخط الامامين الحديث يشيد (3)
ومهما روينا في علي فضيلة
يقولون هذا من أحاديث ملحد (4)
آخر:
إذا في مجلس ذكروا عليا
وسبطيه وفاطمة الزكية
يقول الحاضرون ذروا فهذا
سقيم من حديث الرافضية (5)
صفحه ۴۰
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم، وزلة العالم كانكسار السفينة تغرق ويغرق معها غيرها، بل إذا زل العالم زل العالم، وجماعة من الفساق حملهم النفاق إلى أن قالوا: كان أبو بكر أشجع من علي (1)، وإن مرحبا قتله محمد بن مسلمة (2)، وإن ذا الثدية قتل بمصر (3)، وإن في أداء سورة براءة كان الأمير أبا بكر على علي (4)، وربما قالوا: قرأها أنس بن مالك، وإن
صفحه ۴۱
محسنا ولد في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) سقطا (1)، وإن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن بني المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي فلا آذن، ثم لا آذن إلا أن يطلق علي ابنتي وينكح ابنتهم (2)، وأسندوا إليه (صلى الله عليه وآله) انه قال: إن آل أبي طالب (3) ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين (4)، وقالوا: إن صدقة النبي كانت بيد العباس فغلب علي العباس عليها، ومن ركب الباطل زلت قدمه، وكقول الجاحظ (5): ليس إيمان علي إيمانا لأنه آمن وهو صبي (6)، ولا شجاعته بشجاعة لأن النبي صلى الله
صفحه ۴۲
عليه وآله أخبره ان ابن ملجم يقتله، ونسبة جماعة ان حروبه كانت خطأ (1)، وانه قتل المسلمين عمدا، وقول واحد من علمائهم: إن الحسن قتل ابن ملجم، وكان لعلي أولاد صغار ولم يتربص به، وقول القتيبي: أول خارج في الاسلام الحسين (2).
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، ولعمري ان هذا الأمر عظيم، وخطب في الاسلام جسيم، بل هو كما قال الله: (إن هذا لهو البلاء المبين) (3)، فصارت الغوغاء تزعق (4) على المحدثين والذاكرين لأمير المؤمنين.
شعر:
إذا ما ذكرنا من علي فضيلة
رمينا بزنديق وبغض أبي بكر
صفحه ۴۳
وقال آخر:
وإن قلت عينا من علي تغامزوا
علي وقالوا قد سببت معاوية (1)
(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) (2)، وبقيت علماء الشيعة في امورهم متحيرين، وعلى أنفسهم خائفين، وفي الزوايا متحجرين، بل حالهم كحال الأنبياء والمرسلين، كما حكى سبحانه عن الكافرين: (لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين) (3)، (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) (4)، (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) (5) فقلت: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) (6).
[في أن المؤلف (رحمه الله) استوطن كربلاء]
فحثثت ركابي عن ديارهم، وأبعدت قراري من قرارهم، واستحليت البعد عن مزنهم، واستعذبت البروز (7) عن برزتهم، وحططت رحلي ببلاد سيد الوصيين، وألقيت كلي (8) على إمام المتقين، وجعلت مشهد قرة عينه أبي عبد الله موطني، وحضرته الشريفة في حياتي ومماتي مسكني ومدفني، لا اريد منها
صفحه ۴۴
بدلا، ولا أبغي عنها حولا، ازين منابرها ببديع نظامي، واسر محاضرها بمعاني كلامي، واقلد أجياد مدائحه بدرر لفظي، وازين خرائد محامده بملابس وعظي، ملازما على الدعاء آناء ليلي وأطراف نهاري، وعقيب تهجدي وتلاوتي في أسحاري، بدوام دولة من أعلى كلمة الاسلام بعد رفضها، ورفع درجة الايمان بعد خفضها، وقطع عصب النفاق بقاطع غضبه، وقمع أرباب الشقاق بسطوة حربه، وأقر عين جده المصطفى، وأبيه المرتضى، وأسخن عيون اولي الضلالة والشقاء، وجعل الدين الحنيف يميس (1) في حلل المهابة والبهاء، والحق يرفل في ميادين القوة والعلاء.
[إشادة المؤلف بالسلطان إسماعيل الصفوي]
فرع النبوة، وشجرة الفتوة، الناطق بالصدق، والداعي إلى الحق، قامع كل ظالم، لا تأخذه في الله لومة لائم، عماد الدين، وعميد المؤمنين، علم الشريعة النبوية، ومؤيد الشيعة الامامية.
شعر:
علوي النجار (2)من آل موسى
أبحر العلم والجبال الرواسي
هاشمي لا من بني عبد شمس
فاطمي لا من بني العباس
صاحب الأصل الراسخ، والفرع الشامخ، والمجد الأطول، والشرف الأعبل، قاتل الكفرة، وخاذل الفجرة، وطاهر الاسرة، وجمال العترة، السيد الأفخر، والعنصر الأطهر، والليث الغضنفر، زينة ولد جده أمير المؤمنين حيدر، وعمدة ذرية السيد الشهيد السعيد شاه حيدر، مولانا وسيدنا السلطان الجليل شاه إسماعيل أبو المظفر، الذي أيد الله الاسلام بعزيز نصره، وقطع دابر البهتان
صفحه ۴۵
بغالب أمره، وأظهر بدر الحق بعد خفائه، وأنار نور الصدق بعد انطفائه، وأنطق لساني بمدح سادتي وأئمتي، وأطلق جناني بسب حسدتي وأعداء ملتي.
أقطع بحدي غراسهم، وأقلع بجدي أساسهم، معتقدا ذلك من أفضل أعمالي، وأكمل أفعالي، الذي أتصل به إلى منازل السعادة الباقية، والجنة العالية، جعل الله أركان دولته في صعيد السعادة ثابتة، ودوحة سلطنته في ربوة السيادة نابتة، وأعلام النصر منصوبة على هامة رفعته، وكلل المجد مضروبة على عظمة سدته، وآيات الايمان بدوام أيامه متلوة، ورايات الاسلام بسديد آرائه مجلوة، وشمس شرفه في أفلاك التأييد سائرة، وأنجم عظمته في منازل التأييد دائرة، والعكوس إلى قضايا عدوه موجهة، والنحوس بذكر مساوئ ضده منوهة.
اللهم اجعل أعداءه في قبضة أسره مأسورين، وبصارم سطوته مقهورين، وبعد الامرة مأمورين، وبعد الرفعة مدحورين، واجعل لهم بأنفسهم شغلا شاغلا، ومن أعدائهم بلاء نازلا، واشف صدورنا بغيظهم، وأظللنا بظلك من فيضهم، فإنهم قد ألحدوا في آياتك، ولدنوا (1) ببيناتك، وأهانوا أولياءك، وأعزوا أعداءك، وراموا إطفاء أنوار الايمان، وإخفاء اعلام القرآن، وقتل ذرية نبيك سيد المرسلين، وهضم عترة وليك أفضل الوصيين، ونصبوا نصاب الشرك، وأظهروا كلمة الكفر، وقصدوا المؤمنين في أنفسهم وأموالهم، وأجلبوا عليهم بخيلهم ورجالهم، وغزوهم في عقر ديارهم، وراموا قلع آثارهم، وقطع أدبارهم، واستئصال شأفتهم، واستحلال حرمتهم، وأسر ذراريهم ونسائهم، وقهر علمائهم وأعلامهم، وشنوا عليهم الغارات، وأظهروا فيهم الترات،
صفحه ۴۶