فلم تزل كذلك على ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط واصفر ورقها، فأحزننا ذلك وفزعنا له، فما كان إلا قليل حتى جاء نعي رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)- فإذا هو قد قبض في ذلك اليوم، وكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك العظم والطعم والرائحة، وأقامت على ذلك ثلاثين،
فلما كان ذات يوم أصبحنا فإذا هي قد أشوكت من أولها إلى آخرها، وذهبت غضارة عيدانها، وتساقط جميع ثمرها، فما كان إلا يسيرا حتى بلغنا مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فما اثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا فانقطع ثمرها، فلم نزل ومن حولنا نأخذ من ورقها، ونداوي به مرضانا، ونستشفي به من أسقامنا،
فأقامت على ذلك مدة وبرهة طويلة ثم أصبحنا يوما وإذا بها قد انبعت من ساقها دما عبيطا جاريا وورقها ذابل [89- ب] يقطر ماء كماء الحم، فعلمنا قد حدث حدث عظيم! فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية، فلما أظلم الليل علينا سمعنا نداء وعويلا من تحتها وجلبة شديدة وضجة، وسمعنا صوت باكية تقول:
أيا بن الوصي ويا ابن البتول
ويا بقية السادة الأكرمينا
ثم كثرت الرنات والأصوات، فلم نفهم كثيرا مما كانوا يقولون! فأتانا بعد ذلك قتل الحسين بن علي- (عليهما السلام)- ويبست الشجرة وجفت، وكسرتها الرياح والأمطار بعد ذلك، فذهبت واندرس أثرها.
قال أبو محمد الانصاري: فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول- (صلى الله عليه وسلم)- فحدثته هذا الحديث فلم ينكره، وقال:
حدثني أبي، عن جدي، عن امه سعدى بنت مالك الخزاعية: أنها أدركت تلك الشجرة، وأكلت من ثمرها على عهد علي بن أبي طالب، وانها سمعت في تلك الليلة نوح الجن، فحفظت من قول جنية منهن قالت:
يا ابن الشهيد ويا شهيد عمه
خير العمومة جعفر الطيار
صفحه ۱۹۵