والمرض الأصلي الذي يشكوه هذا الشاب الأجوف، من حيث لا يدري، هو أنه لم يعن في الماضي بتثقيف عقله، ورأسه لذلك كالغرفة العارية، ليس بها أثاث يشغل فراغها، ولذلك لا يهتم بقراءة الجريدة، ولا يقتني كتابا، ولا يسأل عن المشاكل السياسية والاجتماعية، رأس خلو يتعلق بما يسليه كي ينفض عنه السأم فقط، ولو كان ذلك بأكل اللب أو لعب النرد أو الورق أو التطلع إلى المارة أو التحدث بالقيل والقال، وعندما يصل هذا الشاب إلى الشيخوخة لا يجد أمامه غير اليأس، فهو يتعفن في وحدته النفسية والذهنية إلى أن يبلى فيموت.
لهذا يجب على كل شاب أن يثقف عقله، ويهتم بالجريدة والكتاب، كما يجب عليه أن يرتفع بلغته إلى المعاني الدقيقة السامية التي تحول بينه وبين التبذل الرخيص من الكلمات التي كثيرا ما تجره إلى أخلاق مبتذلة رخيصة.
يجب أيها الشاب أن تثقف عقلك وتصقله حتى تجعله غاليا عزيزا، وليس رخيصا مبتذلا.
الفصل السابع والخمسون
الشاب الذي يثير الإعجاب
مما يثير الاشمئزاز في نفسي منظر ذلك الشاب التافه الذي يعيش حياة تافهة بلا جذور ولا هدف، ولا تربطه بالدنيا هموم أو اهتمامات، يقرأ المجلة التافهة، ويغذو ذهنه منها بالغذاء الرخيص، ويجهل خطورة القنبلة الذرية، فلا يدري شيئا عن منظمة الأمم المتحدة، أو الحركة الصهيونية، أو الاستعمار من أجل البترول، إذا حدثته عن الفلاح قال: إنه أسعد منك، وإذا ناقشته عن قيمة الصناعة لمصر سئم المناقشة وأبدل بها حديثا عن الممثلة الأمريكية التي تزوجت للمرة العاشرة ممثلا سينمائيا أو لوردا إنجليزيا أو بهلوانا إسبانيا.
وهو إذا لم يحدثك عما يقرأ فإنه قادر على أن يسهب في صفات الخياطين، وامتياز كل منهم على الآخر، بل لعله يحدثك عن أحسن الحلاقين.
فإذا لم يجد الفرصة للحديث فإنه يلعب لعب الحظ، فيقضي الساعتين وهو مهموم متفزز يبغي الانتصار ويخشى الهزيمة.
هذا هو الشاب التافه الذي لا يهدف في الحياة، ولا يرتبط بحياته أو بحياة عائلته أو وطنه.
ونقيض هذا الشاب التافه ذلك الشاب النابه الذي يميز بين الخطير والحقير، ويحس أن وطنه هو هذا العالم كله، يهتم بشئونه ويرتبط بمشكلاته، ويرفع هذه المشكلات إلى المستوى الفلسفي العالي، فيرتفع هو بارتفاعها ويجل بجلالها، وبذلك تمثل له أهداف في الشرف والسعادة والشهامة، فيعرف أن وقته أغلى من الذهب، وأنه يشترك في قيادة هذا العالم نحو النور، ومثل هذا الشاب يثير الاعجاب.
صفحه نامشخص