وغارات مدمرة ، قد عظم أمرها ، واستحكمت أحقادها وطال أمدها ، فاضطرب حبل الأمن ، واجدبت البلاد ، وتقطعت السبل وغلت الأسعار وهلكت المواشي :
رمى الدهر أهليها بحرب ولم يرد
بها الشر لكن الحروب هي الشر
فلما وصل الإمام الهادي إليهم ، لم يدخل البلد حتى قطع دابر الفتنة ، وأصلح بين الفئتين ، فأنزل الله عليهم السماء مدرارا ، واخصبت أرضهم وصلحت ثمارهم ، ورخصت أسعارهم ، وامنوا في طرقهم ، بعد الذي كانوا فيه من الجدب والقحط والخوف والعداء المستحكم ، قال كاتب سيرته : ولقد أخبرني بعضهم ، أن قائدا لآل يعفر كان معه ألوف من العسكر أتاهم ، فأراد الصلح فيما بينهم ، وانهم يقتتلون ، وهو واقف ماله فيهم حيلة ، حتى وقع بينهم عشرون قتيلا ما استوى له صلح بينهم) (1).
ولما دخل الإمام صعدة ، كتب إلى عموم أهل اليمن يدعوهم إلى الجهاد ، وأرسل عماله على المخاليف ، وكتب لهم العهود ، وأوصاهم بتقوى الله والعدل والرفق ، وحسن السيرة ، وأقام كذلك أربعة أشهر ، وكتب أهل اليمن تتوارد عليه ، ووصل إليه أهل نجران يطلبون خروجه إلى بلدهم ، وكان الوافد عليه منهم قبيلة شاكر (2) وثقيف (3) ووادعة (4) والأحلاف وجماعة من بني الحارث (5)، فأجابهم الإمام وخرج من صعدة آخر يوم من جمادي الأولى من السنة المذكورة ، فدخل نجران وأقام فيها العدل وأصلح أمورها
صفحه ۸۰