عصر انحطاط: تاریخ امت عربی (بخش هفتم)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
ژانرها
وفي سنة 815ه أيضا وقع غلاء شديد، وبيعت غرارة الحنطة وهي حمل جمل بعشرين دينارا ذهبا، وكان عاما في جميع المأكولات بحيث بيعت البطيخة بدينار ذهب،
2
ونحن إذا رحنا نحدثك عن حوادث الغلاء والقحط اللذين لقيهما الحجاز أو نجد أو اليمن - الغني بخيراته - جئناك بالمزعج المؤلم، الذي لا تكاد تصدقه، ويظهر أن هذا البؤس قد أثر في أخلاق الناس وأحوالهم الاجتماعية فساءت أخلاقهم، وفسدت نفوسهم، فأضحوا كالأنعام لا يحللون شيئا ولا يحرمون، وديدنهم هو جمع الأموال، ومصادرة أهل الحقوق والغش والخداع والكذب، وقد نجم عن ذلك كله أن ساءت نفوس الناس، وانتشرت بينهم أمراض اجتماعية مفسدة كالسرقة وقطع الطرقات والاحتيال وعدم رد الأمانات إلى أهلها، أضف إلى ذلك أمراضا أخرى يجب أن تتنزه عنها أرض الحرمين الشريفين، ولكن الجوع كافر كما يقولون، فقد زاد البلاء حينما أخذ الناس يفرون من ديارهم في العراق والشام ومصر خوفا من الصليبيين والتتار قاصدين الحجار وسائر الجزيرة العربية طمعا في السكينة والأمن والعيش الهادئ والنجاة بأموالهم وأنفسهم وألادهم، ولكن شيئا من ذلك لم يحصل، بل الذي حصل هو العكس، فقد كبرت نفوس أهل مكة حتى اضطر صاحبها الشريف أن يخرج الناس منها ويسفرهم إلى بلادهم، وأمر أحد الأشراف وهو الشريف مسعود أن ينادى في سنة 1149ه على جميع الغرباء المقيمين بمكة من جميع الأجناس أن يتركوها ويتوجهوا إلى بلدانهم،
3
ولما لم يلبوا نداءه أمر بتكرار النداء، ثم أغلظ في العقوبة، وقال أحمد بن زيني دحلان: «وسبب ذلك كثرة الغرباء بمكة حتى اتخذوها دار سكنى، فقطعوا بذلك عن أهلها الحسنى، وصاروا يتعاطون بيع الأقوات، واستولوا على أغلب ما في الدفاتر السلطانية من المرتبات، فتوجه بعد ندائه هذا خلق كثير».
4
ويظهر أن السبب في ذلك هو أن الحجاز بلد فقير لا يكاد يكفي أهله ونفرا محدودا من الناس، فلما كثروا هذه الكثرة المخيفة اضطر الشريف المكي إلى إخراجهم منها، ثم إن أهل الحجاز عامة وأهل مكة والمدينة خاصة قوم يعيشون على هبات أهل الخير في العالم الإسلامي، وكل من جاء إلى حرم الله أو جاور قبر رسوله وجب على أولي الأمر إطعامه وإسكانه وكساؤه، وقد جاء هؤلاء الدخلاء يشاركون الأهلين في أقواتهم وملبوسهم ومسكنهم، فعمد الشريف إلى إخراجهم من الأرض المقدسة.
ومما يجب أن نذكره هنا أن أهل الحجاز كانوا يعتمدون في أمورهم المعاشية على ما يجيئهم من الأموال والصدقات مع المحمل الشامي والمحمل المصري والمحمل اليمني، وما يبعث به إليهم أمراء العالم الإسلامي وملوكه من الهند والمغرب وجاوه، وقد كانت هذه الصدقات تبلغ أرقاما ضخمة ، قال أحمد بن زيني دحلان: «ووردت في هذه السنة صدقة لأهل مكة من الهند وقدرها أربعة وعشرون ألف مشخص، وصدقة أخرى من سلطان المغرب، وصدقة ثالثة من الهند من محمد علي، وفرقت جميع الصدقات وانتفع بها الكبير والصغير والغني والفقير.»
5
وإذا كانت هذه حالة القوم من الناحية المعاشية، فليس من المنتظر أن يكونوا أعضاء عاملين في المجتمع البشري، أو يكون لهم نشاط في النواحي الاقتصادية والتجارية والثقافية، والحق أن الوحيدين الذين كانوا يعيشون في الحجاز عيشة هنية هم الأشراف وحواشيهم وأتباعهم، وكانت موارد الحجاز موزعة بينهم وبين الشريف صاحب مكة، فقد كان هو يأخذ الربع ويوزع الثلاثة الأرباع، وكثيرا ما كانت تقع الحروب والفتن بينه وبينهم بسبب الأموال، كما أسلفنا في القسم السياسي، وقلما خلا عهد شريف من الفتن، قال أحمد بن زيني دحلان: «وفي سنة 1085ه خرج جماعة من السادة الأشراف مغاضبين لمولانا الشريف بركات يدعون عليه أنه أخذ ما وصل إليهم من الإنعامات السلطانية فنزلوا بوادي مر الظهران، فبعث إليهم السيد بشير بن سليمان بن لؤي بن بركات، فما زال بهم حتى رجعوا ففرق عليهم الإنعام الواصل بينهم بالسوية، وذلك نحو أربعة آلاف دينار وألفي أردب حب.
صفحه نامشخص