تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
ژانرها
كانت السطوة الحقيقية في هذه الأيام للمماليك، ولكن لما كان هؤلاء يعلمون أنهم أجانب عن البلاد، بعيدون عن أهلها في الشعور والعادات، خشوا ازدياد الجفاء بينهم، وعملوا على اكتساب مودة العلماء ليحببوا فيهم الأهلين؛ فكانوا يشاورونهم في الأمر، ويصغون لرغباتهم، حتى صار للعلماء قول مستمع في إدارة شئون الحكومة.
أما الوالي فلم يكد يكون له من الأمر شيء سوى تسلم الجزية وإرسالها إلى السلطان. وكان المماليك دائما يرتابون في إخلاصه لهم ويخشون دسائسه لدى الباب العالي، حتى إن «مراد بك» قال لبكر باشا في هذا الاجتماع الذي نحن بصدده: «إن الفرنسيس ما قدموا إلى هذه البلاد إلا برضاء الباب العالي، إن لم يكن بإيعاز منه.»
وكانت إذ ذاك مدينة تجارية عظيمة وتمتاز عن الإسكندرية بكثرة حدائقها وجمال منظرها.
لأن أكثر الترع كان نيليا.
أي من جهة باب الوزير وباب البرقية «جبانة المجاورين».
هذه الصورة بعضها مطابق تماما لحالة الآثار وقت رسمها وبعضها يمثل شكلها في أيام رونقها، واستعانوا في رسمها بالنظر إلى الأجزاء التي لم تنهدم في الأثر واستنتاج شكل التي تهدمت بطريق المحافظة على التماثل في البناء.
الفصل الثاني
محمد علي باشا (1) نشأته ونهوضه
ولد محمد علي باشا ابن إبراهيم أغا من سلالة ألبانية ببلدة «قولة» أحد المواني الصغيرة التي على الحدود بين تراقية ومقدونية عام (1183ه/1769م)، وهو العام الذي ولد فيه «ولنجتون» القائد الإنجليزي العظيم «ونابليون» الفاتح الكبير، ولكل منهما أثر عظيم في تاريخ حياة المترجم. وإنه لمن العبث أن نسرد هنا الأقاصيص التي تعزى إليه في حداثة سنه؛ إذ لم نعثر عليها في أصل يعتمد عليه.
توفي والده إبراهيم أغا وهو في سن الطفولة، فتولى أمره عمه «طوسون»، غير أن هذا وافته منيته بعد مدة وجيزة، فقام بأمر تربيته أحد أصدقاء والده، وقد تبناه وعني به حتى بلغ الثامنة عشرة من عمره، فتعلم طرفا من الفروسية واللعب بالسيف، ثم زوجه إحدى قريباته، وكانت من ذوات اليسار. وخدم حاكم قولة، واكتسب رضاه بما كان يأتيه من ضروب المهارة والحذق في جباية الأموال من القرى المجاورة التي كانت لا تؤدي ما عليها إلا بالشدة واستعمال القوة الجبرية، وأعانته ثروة زوجته على الاتجار في الدخان، فاصطحب المسيو «ليون» أحد صغار التجار - ويغلب أنه كان وكيلا لأحد المحال التجارية بمرسيليا مسقط رأسه - وشاركه في الاتجار في هذا الصنف، فلم تعد عليه هذه التجارة بالأرباح الطائلة، إلا أنه استفاد فائدة جمة من مرافقته للمسيو «ليون»؛ فاكتسب منه كثيرا من العادات والآداب الفرنسية التي تركت في نفسه أثرا عظيما، وساعدته مساعدة كبيرة في بقية أطوار حياته.
صفحه نامشخص