تاریخ مسرح
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
ژانرها
ومن الجدير بالذكر، أن هذا القول يدل دلالة مباشرة على أن عثمان جلال من الرواد الأوائل في الكتابة المسرحية المصرية. وإذا كان يعقوب صنوع قد ظهر قبله لكان أشار إليه في هذه المقدمة. علما بأن يعقوب صنوع - تبعا لأقواله - كان في أوج شهرته في هذه الفترة، بالإضافة إلى رعاية الخديو له! أي إن عثمان جلال، في هذا الوقت، لا يجرؤ على نكران صنوع بهذه الصورة. وإذا قال قائل: إن عثمان جلال لم يذكر يعقوب صنوع لأنه المنافس الوحيد له في الكتابة المسرحية، سنرد عليه قائلين: ولماذا لم يرد صنوع على زعم عثمان جلال وينشر هذا الرد في نفس المجلة التي نشرت أجزاء من الكتاب على مدار ثلاثة أشهر، طالما أن له الريادة في هذا الفن؟! علما بأنهما تاريخيا - إذا سلمنا بأقوال صنوع عن نفسه - مارسا الكتابة المسرحية في نفس الوقت. وعلى ذلك نقول: إن إنكار عثمان جلال لنشاط صنوع المسرحي - في هذه الوثيقة المنشورة - يزيد شكوكنا أكثر في وجود صنوع كمسرحي في هذا العام أيضا.
وتبعا لأقوال صنوع ونقاده، إن نشاطه المسرحي استمر لمدة عامين، حتى أوقف الخديو إسماعيل هذا النشاط، بإغلاقه مسرح صنوع في عام 1872. بعد ذلك مباشرة كون صنوع جمعيتين أدبيتين تم إغلاقهما من قبل الخديو أيضا. وهنا توسط أحمد خيري باشا لصنوع عند الخديو إسماعيل، واستطاع أن يقنعه بأن يعقوب صنوع مواطن شريف جدير بتقدير الوطن، وبالفعل قبلت الوساطة. ويعقب صنوع على ذلك بقوله: «ومنذ ذلك اليوم أخذت أقضي سهراتي في قصر عابدين مقر الخديوية، فتعرفت بجميع وزراء إسماعيل، وقد كلفني معظمهم بتعليم أولادهم الفرنسية والإنجليزية. وهكذا عدت ابتداء من ذلك التاريخ إلى ما كنت عليه من قبل؛ أي شاعر البلاد.»
19
وتصل العلاقة بين الخديو وصنوع إلى درجة أن الخديو كلفه بالسفر في عام 1874 إلى أوروبا في رحلة سياسية سرية، لم يفصح صنوع عنها، «وإنما يذكر أنه أدى المهمة على خير ما تؤدى المهمات الشبه رسمية، وأنه حين عاد إلى مصر عكف على كتابة تقرير مفصل متضمنا أشياء كثيرة لم يشر إليها أبو نظارة وهو يروي تاريخه.»
20
وظلت هذه العلاقة الحميمة بين صنوع والخديو حتى عام 1878، عندما أصدر صنوع جريدته المشهورة في مصر، فساءت العلاقة بينهما، كما هو معروف من أقوال صنوع ونقاده. وما يهمنا من هذه الحقبة التاريخية أن يعقوب صنوع كان يحتل مكانة كبيرة عند الخديو إسماعيل، قبل عام 1874 وحتى عام 1878، تلك المكانة التي جعلته من أشهر الشخصيات المصرية في هذه الفترة، تبعا لأقواله وأقوال نقاده.
والمنطق يقول إن هذه المكانة - إذا كانت حقيقية - لا يستطيع أي إنسان أن ينكرها. فعلى سبيل المثال، إذا جاء شخص مصري ليقيم مسرحا عربيا في هذه الفترة، التي يتمتع فيها صنوع بهذه الشهرة الفائقة، ولم يشيد بجهوده المسرحية السابقة، لكان صنوع أطاح به، لما يتمتع به من مكانة عند أولي الأمر، ولا سيما الخديو نفسه. ومن العجيب أن هذا الأمر حدث بالفعل في عام 1875، ولم يأت من مصري، بل جاء من لبناني يطلب المعونة من الخديو لإدخال فن المسرح العربي إلى مصر لأول مرة في تاريخها، ناكرا ومتجاهلا تاريخ صنوع المسرحي؛ ذلك التاريخ الذي لم يؤكده أي إنسان حتى الآن، إلا يعقوب صنوع نفسه.
ففي عام 1875 نشر سليم خليل النقاش مسرحيته «مي»، وفي مقدمتها قال: «لما كانت ديار مصر مستوية على عرش التقدم بين الأمصار ... اتخذت مع الملتجئين إلى بابها نعم سبيل ... واهتديت بسنا الأفضال والإجلال إلى باب يخفق فوقه لواء المجد والإقبال. وهو باب ... أفندينا الخديو المعظم ولي النعم إسماعيل ... بأن أخدم عظمته بإدخال فن الروايات في اللغة العربية إلى الأقطار المصرية ... فأنعم علي بالقبول.»
21
وفي يوليو 1875 قالت مجلة «الجنان» تحت عنوان «الروايات العربية المصرية»: «... إن الحضرة الخديوية السنية قد اهتمت بإنشاء روايات عربية ... في مصر القاهرة ... لذلك صممت على إنشاء الروايات العربية ... فصدرت إرادتها السنية بأن يقوم جناب سليم أفندي نقاش بترتيب روايات عربية وتنظيمها على نسق موافق للنسق الأوروبي. وسليم أفندي ... أتى ببراهين كافية أقنعت جناب درانيت بك مدير الروايات المصرية بأهليته وحذقه فصدرت الإرادة الخديوية السنية بأن يقوم بعمل الروايات العربية ... والذهاب بجوق المشخصين إلى مصر القاهرة في الخريف القادم.»
صفحه نامشخص