تاریخ مسرح
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
ژانرها
138
ويلاحظ على هذا القول، أن يعقوب صنوع أدرجه بنفسه وفي جريدته ناسيا متناسيا أن الحديث بما فيه من طعن، يتجه نحو منطقة الأزبكية، الذي أقام فيها مسرحه، تبعا لما جاء في مذكراته! بل إن الحديث يعمم التياترات والملاعب في عصر إسماعيل؛ أي إن مسرح صنوع كان منهم. فلماذا لم يحذف صنوع هذا القول من هذه الرسالة المطولة؟! أو على أقل تقدير يعلق عليه إذا كانت الرسالة لغيره. أما إذا كانت هذه الرسالة من موضوعات صنوع الأدبية، كما رجح ذلك د. إبراهيم عبده
139 - فإنها تعتبر دليلا قويا على كذب صنوع بأنه مؤسس المسرح المصري، وتؤكد شكوكنا في نشاطه المسرحي في مصر عموما. فمن غير المعقول أن يكتب أو ينشر رائد مسرحي هذه الأقوال التي تدينه وتدين الفن المسرحي في مصر، أثناء نشاطه المسرحي، إذا كان لهذا النشاط وجود! (4) صنوع المخادع
ومما سبق، وبناء على شكوكنا التي أحاطت نشاط صنوع المسرحي، يجب علينا إنهاء هذه الدراسة بالإجابة على هذين السؤالين: لماذا أقحم صنوع اسمه في تاريخ المسرح المصري، ونصب نفسه رائدا له؟ ولماذا غلف ذاته بهذه المكانة الكبيرة أثناء وجوده في مصر، عندما أوهم القراء بأن له علاقة صداقة حميمة بالخديو إسماعيل والخديو توفيق، وبكبار القوم أمثال: خيري باشا؟ الحقيقة أن يعقوب صنوع قام بكل ذلك بسبب سفره إلى فرنسا. وبمعنى آخر، إذا ظل صنوع في مصر ولم يسافر إلى فرنسا ما كان قام بهذه الأمور كلها. ولنبين ذلك تفصيليا فيما يلي:
أولا:
أقحم صنوع اسمه في تاريخ المسرح المصري، ونصب نفسه رائدا له، بسبب ما نشره من مسرحيات قصيرة أطلق عليها «اللعبات التياترية»، الذي بدأ في نشرها بعد سفره إلى فرنسا بفترة قصيرة. وهذه اللعبات كانت تأتيه من مصر إما بصورتها المنشورة في صحفه، أو بعد قيامه بإعداد لها. وبعد نشره لمجموعة من هذه اللعبات توهم أنه من كتاب المسرح المصري، أو أنه أول من كتب هذا اللون المسرحي، فنصب نفسه رائدا للمسرح المصري بأكمله. وهذا الوهم كان مقصودا من قبل صنوع؛ لأنه إذا أوهم أهل فرنسا بأنه رائد للمسرح المصري، سيعطي لنفسه مكانة مرموقة، هو في أشد الحاجة إليها ليبني على هذه المكانة دورا ونشاطا له في فرنسا.
والدليل على ذلك أن يعقوب صنوع قبل أن ينشر أول لعباته التياترية في صحفه بباريس، نشر «إعلانا» في 22 / 9 / 1878، قال فيه: «المرجو من حضرات المطلعين على صحيفتنا من إخواننا أهل القطر المصري الكرام وأصحابنا أهل سورية والعراق والجزاير والهند وتونس وساير البلاد العربية أن من يرغب نشر نبذة مفيدة أو نادرة لطيفة بأي معنى كانت فليرسل بها إلينا إلى عنواننا المحرر بذيله، فإننا نبادر بإدراجها في الصحيفة ونتشكر فضل من يكرموا علينا بها وإن شاء ذكر اسمه أو أخفاه فله الخيار في ذلك فإننا نصنع كمراده على شرط إظهار إرادته إما بكتم اسمه أو بإشهاره.»
140
وبفضل هذا الإعلان نشر صنوع أول لعباته التياترية في صحفه بباريس في 8 / 10 / 1878. وهذه اللعبة لم يقم صنوع بتأليفها، بل قام بإعداد لها، لأن موضوعها جاءه في خطاب من صعيد مصر. وفي ذلك يقول صنوع لأبي خليل: «إنما أنا التاني، جاني جواب من الصعيد وفيه نادرة عجيبة يظهر منها أن الفلاح صبح جدع، فصنفت لك منها لعبة تياترية أدرجها في النمرة ذاتها وأدعيها: التقدم والنجاح في جسارة الفلاح.» وبعد نشر اللعبة جاء هذا الحوار: «أبو خليل: يسلم فمك يا بو نضارة آدي الحكايات اللي تتلذ منها أولاد بلدنا لأنهم يشخصوها في البيوت ويحصل منها تأثير عظيم. أبو نضارة: أهو كلما أسمع نادرة أعملها لعبة بالصفة دي.»
141
صفحه نامشخص