وربما كان اسمه العربي مشتقا من دجل الأرض بمعنى قطعها سيرا أو غطاها «بفيضانه»، ولكن الأرجح أنه معرب عن الاسم المادي أو العبراني، ويعرف اليوم عند الأتراك وفي خرائطهم باسم الشط.
صامسات في الخريطة التركية.
يخلط بعض الكتاب والمشتغلين بالجغرافيا فيسمون هذه البقعة الواسعة بجزيرة ابن عمرو، والحقيقة أن هذا الاسم يدل على مدينة صغيرة فقط، وأما هذه البقعة فتسمى بأرض الجزيرة أو بالجزيرة فقط.
الباب العاشر
أصل الكلدانيين والكلام على أيامهم الأولى (1) روايات الكلدانيين عن الخليقة
قالوا «لما كان هذا الشيء الذي فوقنا لا يسمى سماء، ولما كان هذا الذي تحت أقدامنا لا يسمى أرضا» نتجت كائنات وهمية وأشخاص خيالية من الهاوية والبحر والمحيط الدائم، ولا زالت صور هذه الكائنات والأشخاص باقية على الآثار القديمة، ونتج أيضا «مقاتلون لهم أجساد كأجساد الطيور ورجال لهم وجوه كوجوه الغربان» وأثوار لها رءوس بشرية وكلاب لها أربعة أجساد وذنب كذنب الأسماك، وكان الإنسان على الشكل الذي نعهده وهذه الصورة التي نراه عليها، يعيش عريان أعزل فيما بين هذه الوحوش وهذه المسوخ، إلى أن خرج من الخليج الفارسي حيوان اسمه أوانس ليعلمه ويهذبه، وكان لهذا الحيوان جثة سمك ورأس وصوت يشابهان رأس الإنسان وصوته، وله أرجل كأرجله ولكنها تخرج من ذنبه الذي هو ذنب سمك.
وكان يقضي نهاره في تعليم الكلدانيين فنون الأدب وضروب العلوم وصنوف الصنائع وأصول الشرائع ومبادئ الهندسة وأوقات الزراعة وأيام الحصيد؛ حتى إذا غربت الشمس آوى إلى البحر فغطس فيه وأمضى الليل تحت لجة الماء «ومن عهده إلى الآن لم يخترع شيء فائق.» (2) الطوفان
ثم تكاثر الناس وازداد عددهم واختاروا لهم سيدا منهم، وأول من تقلد الملك كان اسمه الوروس؛ وهو من مدينة بابل، ثم خلفه تسعة ملوك آخرين، وأصلهم كلهم من مدائن الكلدانيين، وكانت مدة حكم الجميع ثنتين وثلاثين سنة وأربعمائة سنة، وفي أثناء ذلك استولى الشر على الإنسان حتى صمم الآلهة على إعدامه من هذا الوجود، إلا الملك الذي كان حاكما في ذلك الزمان واسمه شيسوتروس ونفرا قليلا من المؤمنين الصالحين، فقال له الآلهة «اصنع فلكا عظيما لك ولأتباعك لأننا سنعدم بذرة الحياة» فأطاعهم الملك حتى إذا تم الفلك سمع الناس صوت هاتف يقول «عند المساء تمطر السماء الهلاك والإعدام، فادخل الفلك واقفل بابه.»
ولما كان صباح اليوم الثاني «هبت المؤتفكات وعصفت الزوابع حتى ملأت السماء وطغت المياه وتلاشى ضوء النهار في الظلمات، فكان الأخ لا يرى أخاه وصار الناس لا يعرف بعضهم بعضا؛ حتى خشي الآلهة أنفسهم أن يعم الطوفان السماء، فصعدوا إلى الجلد الأعلى ليكونوا آمنين مطمئنين، وما زالت العواصف والقواصف والزوابع والزعازع متوالية بلا انقطاع مدة ستة أيام وسبع ليال، وعند فجر اليوم السابع انقطعت الأمطار وسكنت الرياح بعد أن طغت واشتدت، مثل الجيش القوي العظيم، ثم هبطت مياه البحر وسكنت الرياح والعواصف.»
قال شيسوتروس: «فجبت البحر أنوح وأنتحب؛ لأن بني الإنسان رجعوا كلهم إلى الطين، وكانت أشلاؤهم طافية حولي كأنها أعجاز نخل خاوية، ففتحت النافذة، فلما أبصرت الضوء انقبض صدري وتولاني الحزن والكآبة، فجلست أبكي، وكانت الدموع تسيل على خدي.» واستوى الفلك على قلة الجبال الجوردية، فتربص شيسوتروس ستة أيام، ثم أطلق حمامة فحومت، ولم تجد محلا تقف عليه فرجعت، وعاد طير الخطاف مثلها إلى السفينة، وأطلق غرابا بعد الخطاف فرأى جيفا على وجه الماء فأكل منها ثم عام وهام بعيدا ولم يرجع، وحينئذ أخلى شيسوتروس سبيل الحيوانات، وبنى محرابا على قلة الجبل وقدم القربان للآلهة، وقد رضي بعل أعظم الآلهة بأن الناس الذين نجوا بالفلك يبقون على قيد الحياة، وأنه لن يرسل الطوفان عليهم مرة ثانية. (3) أقدم الدول التي ظهرت بكلديا
صفحه نامشخص