ولا يتناسب المناخ وطبيعة الجو في مكة مع ما ألفه القحطانيون ، وقد عاشوا في جنوب الجزيرة حيث الخصوبة ووفرة المياه وسهولة الأرض ، فارتحلت أكثر بطون القبيلة ترتاد البلاد التي تتناسب وما ألفت ، وانخزعت بمكة بطن من القحطانيين أي انقسمت وتلك هي خزاعة وبذلك ورثت خزاعة الحكم في مكة ، وقام سيدها ربيعة بن حارثة بالأمر فيها.
وكان بعض بني اسماعيل قد اعتزلوا في فترة الحرب وقبلها أخوالهم من جرهم غير راضين عن أعمالهم في مكة كما أنهم لم يسايروا المغيرين من قحطان أو يناوئوهم بل ظلوا في حيادهم منعزلين حتى إذا استتب الأمر لخزاعة سألوهم السكنى معهم وحولهم فأذنوا لهم.
ولما انتهى أمر مكة الى عمر بن لحي سيد خزاعة تمنى عليه رئيس حكومة مكة السابق مضاض الجرهمي (1) أن يأذن له في السكنى بمكة فأبى عليه ذلك ونادى في قومه من وجد منكم جرهميا قد قارب الحرم فدمه هدر (2).
ونزعت ابل لمضاض تريد مكة بعد جلائه عنها فخرج في طلبها حتى وجد آثارها قد دخلت مكة فمضى الى الجبال من ناحية أجياد حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الابل في بطن الوادي فأبصر الابل تنحر وتؤكل ولا سبيل اليها فخاف ان هبط الى الوادي أن يقتل ، فولى منصرفا الى أهله ، وأنشد يقول :
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
صفحه ۲۹