والخواجات سيمون وجاكومو يتوليان إدارة أشغال خصوصية عدا عن أعمالهم الكثيرة، وهما من أعضاء عدة شركات كالدائرة السنية وشركة سكة حديد حلوان والبنك العقاري والشركة العقارية المصرية والبنك الأهلي وغير ذلك، ولهما مقام رفيع عند جميع معارفهما لما اتصفا به من المزايا الحميدة والإخلاص في معاملاتهما حتى ذاعت شهرتهما في الصدق والأمانة مع كل الذين يعاملونهما، وقد جمعا ثروتهما بكدهما واجتهادهما، ولم نسمع بمشروع دخلا فيه إلا كان لهما الأيادي البيضاء في إنجاحه وفقهما الله. (4) عائلة موصيري
هذه العائلة الكريمة إسبانية الأصل، كما يستدل من وجود اسمها بين أسماء العائلات التي هاجرت إسبانيا إلى بلاد الشرق، وأول من قصد القطر المصري منها أحد أفرادها المرحوم نسيم موصيري في سنة 1750 إفرنجية، فمكث فيه واستوطنه، ثم أخذت هذه العائلة تنمو وتتفرع حتى أصبح عدد أفرادها ينيف على الخمسين في مدة قرن ونصف قرن، فكانوا كلهم مثالا للمهارة والنشاط والأمانة في أعمالهم حتى أحرزوا مقاما جميلا بين سكان مصر مستظلين بظل حكامها ومشمولين برعاية دولة إيطاليا المعظمة، ومن رسم الشجرة المطبوعة في آخر تراجم هذه العائلة يعرف تاريخ أفرادهم وأسماء الذكور منهم، أما أشغالهم التي يتعاطونها فمتفرقة، فاشتغل بعضهم في الأمور المالية، وانخرط البعض الآخر في الصنائع والفنون المختلفة وبرع فيها وفاز على أقرانه وحاز شهرة بعيدة، ونحن نرى من أفراد هذه العائلة الكريمة الآن من يشتغل بفن المحاماة والطب والهندسة والزراعة والتجارة على اختلاف أنواعها وفروعها، وكلهم جارون في أعمالهم على خطة الاستقامة والإخلاص والأمانة في المعاملات، مشهورون بطهارة السيرة والسريرة؛ حتى أصبحوا في مقام رفيع من الجاه ورفعة القدر.
وكان المرحوم موسى موصيري الكبير جد الخواجه موسى موصيري رجلا تقيا غيورا على طائفته، وله ولع في أمر الكنائس وعمل البر، وأحد أنجاله الخواجه داود جاء على مثال أبيه في التقوى والفضل وتربية بنيه على قويم المبادئ والعلم، وقد اشتهر بهذه الخصال الحميدة أيضا المرحوم يوسف نسيم موصيري والد المرحومين نسيم بك موصيري وجاك موصيري، والخواجات فيتا وإيزاك موصيري، وخدم الكنائس والمدارس والجمعيات الخيرية، وربى أولاده التربية الصالحة، فنبغوا بين أقرانهم، ومن سيرة أبنائه تعرف أخلاقه الكريمة. (4-1) المرحوم نسيم بك يوسف موصيري
المرحوم نسيم بك يوسف موصيري، ولد في مصر سنة 1848، وتلقى العلوم في مدارسها ففاز على أقرانه بفرط ذكائه، وشب على حب الفضيلة من صغره، فكان نابغة باجتهاده ومثالا في آدابه، ولما بلغ أشده وخرج من المدارس اقترن سنة 1868 بذات الكمال السيدة إلينا كريمة المرحوم يعقوب بك قطاوي الشهير الذي مر بنا ترجمة حياته [في الفصل الثاني عشر: أعيان اليهود في القطر المصري - عائلة القطاوي]، فرزق منها ثمانية أولاد وثلاث بنات، وهم: يوسف ولد سنة 1869، وإيلي سنة 1879، وإستير سنة 1881، وروجينا سنة 1883، وجاك سنة 1884، وموريس سنة 1886، وفيكتوريا سنة 1887، ودافيد سنة 1889، وليون سنة 1891، وفيلكس (سعد) سنة 1893، وإميل سنة 1896.
ولما توفي المرحوم أبوه كان عمر نسيم بك 28 سنة، فاستلم إدارة أعماله التجارية وأفلح في ترقية أمورها ونجاحها فلاحا عظيما، واعتنى بتربية إخوته الصغار وبسائر عائلة المرحوم والده اعتناء الرجل العاقل الحازم، وما زال يرقى في معارج التقدم والمجد حتى أنعم عليه المغفور له الخديوي الأسبق إسماعيل باشا بالوسام المجيدي الثالث دلالة على أمانته وإخلاصه للعائلة الخديوية المعظمة، ثم أنعم عليه بالرتبة الثانية مع لقب بك.
وفي سنة 1888 منحه جلالة ملك إيطاليا نيشانا من درجة أوفيسيه، ثم انتخب عضوا في الجمعية الخيرية الإيطالية، فأبدى من الشهامة والمروءة والغيرة على الفقراء ما لا يزال مسطرا له بمداد الشكر والأجر، وكان نائبا لرئيس الطائفة الإسرائيلية ومندوبا في محكمة مصر التجارية المختلطة، لبث في هذه المهمة عدة سنوات أبدى فيها همة عالية ومدارك سامية، وحاز على رضى الشعب وثقة الحكومة، فكان مقربا محبوبا منهما، وانتخب عضوا للجنة عوائد الأملاك بالقاهرة، وانتهج مسالك كثيرة نافعة عادت بالخير الكثير على البلاد.
وكان على الجملة حكيما عاقلا مجتهدا حازما جمع ثروة طائلة بثباته وعلو همته وحسن تدبيره، وتوفي إلى رحمة ربه في 4 يناير سنة 1897، وهاك ما ذكرته جريدة المقطم ثاني يوم وفاته:
استأثرت رحمة الله بالمأسوف عليه نسيم بك موصيري أحد وجهاء الطائفة الإسرائيلية، فشق نعيه على جميع معارفه لما كان عليه من الوجاهة وكرم الأخلاق، وشيعت جنازته في الساعة العاشرة صباحا من منزله بالإسماعيلية، ومشى فيه كبراء القوم ووجهاؤهم، ووضع الفقيد في مركبة فاخرة، ومشى أمامها البوليس ويسقجية قناصل الدول، وأولاد المدارس ينشدون الأناشيد، وكان سعادتلو أباتا باشا وحضرات الخواجه سوارس والأفوكاتو فيجري وقطاوي بك يحملون بساطي الرحمة ومركبة الفقيد مغطاة بأكاليل الأزهار، ووراءها كثير من المركبات تحمل أكاليل الأزهار، وخيلها موشحة بأثواب الحداد، ولما بلغ المشيعون المحكمة المختلطة ركبوا المركبات وساروا وراء الجنازة إلى المدفن، حيث واروا الفقيد التراب ورجعوا يعزون آله الكرام عن هذا المصاب، تغمده الله برحمته وإحسانه.
والمرحوم جاك يوسف موصيري هو شقيق المرحوم نسيم بك موصيري، توفي منذ عهد قريب في مصر، وكان - رحمه الله - طيب السيرة والسريرة ونظير أخيه في أكثر وظائفه.
والخواجه فيتا موصيري هو ابن المرحوم يوسف موصيري وشقيق المرحوم نسيم بك موصيري، ولد في مصر في 15 فبراير سنة 1856، فرباه والداه على محبة الفضيلة والاتضاع، فنشأ شهما وديعا أنيس المحضر رقيق الطباع، وقد اشترك مع أخيه في الأعمال التجارية، فكانا فيها مثالا للصدق والأمانة وعنوانا للنشاط والاجتهاد.
صفحه نامشخص