أصحابه إذ سقطت من يده جوهرة، فأخذ بعض جلسائه وأبو عيينة يراه فقال:
«يا غلمان، لا تطلبوها ولا يبيعنها آخذها بخسا، فإن شراءها عشرون ألف درهم»، وكان نازلا بالحارثيين، فلما أراد الخروج إلى طرابلس جاءته جيرته مودعين، فقال لهم: «ما معنا دينار ولا درهم، ولكن ما فى الدار من طعام وشراب وأثاث ومتاع فهو لكم»، قال بعضهم: فقمنا فوجدنا خزائن مملوءة من كل شىء فاقتسمناها، وجاءه وهو على تلك الحال المعروف بأبى حسان الإسكاف فأهدى إليه خفين، فقال له: «ما حملك على أن تهدى إلينا ونحن على ما ترى من الحال؟!» فقال: «المودة لك والأمل فيك بعد اليوم» قال: «ليس يغنى عنك هذا، ولكن هل لك فى شىء؟»، ونزع عن نفسه ثوب وشى فدفعه إليه، فباعه أبو حسان بمائة دينار. قال أبو مالك بن الطرماح بن حكيم، وكان مقيما بالقيروان: «بعث إلى أبو عيينة المهلبى أن جئنى بديوان الطرماح لأقرأه عليك، ففعلت فأمر بانتساخه وقرأه على، وكنت أحضر طعامه وكسانى كسوة نفيسة وأعطانى ثلاثين دينار، فكان أبو مالك يقول: «والله ما رأيت المال أرق ولا أذل مما هو بأيديهم»، وكانت تونس تعدل بالقيروان فى كثرة العرب والجند الذين كانوا فيها.
وكان أبو جعفر إذا قدم عليه رسول صاحب المغرب يقول: «ما فعلت إحدى القيروانين- يريد تونس- فلما قدم الفضل ولى عليها ابن أخيه المغيرة بن بشر بن روح، وكان غرا لا تجربة له بالأمور، فاستخف بالجند وسار فيهم بغير سيرة من تقدمهم ووثق أن عمه لا يعزله، هذا مع ما فى قلوبهم على الفضل من أشياء قد أنكروها، أقلها استبداده برأيه دونهم، فاجتمعوا وكتبوا كتابا إلى الفضل يخبرونه بسوء صنيع المغيرة لهم وقبح سيرته فيهم، فتثاقل الفضل عن جوابهم، فاجتمعوا وتكلم ابن الفارسى وقال: «إن كل جماعة ليس لها رئيس يدبر أمرها، فهى على شفا جرف مما تطلب، فانظروا رجلا يدبر أمركم» قالوا: «صدقت، فأشر علينا» قال: «فإنى أشير عليكم بالبصير بن الحرب المعروف بالنجدة، ولعله مع هذا .. ماله، فإنه ذو مال»، قالوا: «من هو (» قال: «عبد الله ابن الجارود، وهو المعروف بعبدويه، فأتوا ابن الجارود فقالوا: «قد علمت ما صنع بنا المغيرة وقد كتبنا إلى صاحبه فلم يزل خاذلنا وقد رأينا إخراجه، وأنت شيخنا وفارسنا
صفحه ۱۰۶