فكنت اختلف إلى داره طمعا أن أصل إليه، فجلست يوما أتفكر فى تغربى وما حرمته من السماع منه، وقد أدركته إلى أن فتح الباب، وإذا بجارية فقالت: «مالك»؟ فقلت:
«أنا رجل غريب»، واعلمتها بخبرى، قالت: «وأين بلدك؟» قلت: «إفريقية» فاسترجعت وقالت: «أتعرف دار بنى فروخ؟» قلت: «أنا ابن فروخ» فقالت:
«عبد الله!» قلت: «نعم»، فإذا هى جارية كانت من بلادنا، وكنت رضيعا لها فبعناها صغيرة، فصارت إلى الأعمش وكانت لها دالة عليه، فدخلت عليه فقالت له: «إن ابن مولاى الذى كنت أخبرك به بالباب، فأمرها بإدخالى، وأسكننى فى بيت قبالته، فكنت أسمع منه وحدى، وقد حرم سائر الناس إلى أن قضيت أربا من سماعى منه. وكان مالك بن أنس- (رحمه الله)- يكرمه ويعظمه، وكانت لمالك- (رحمه الله)- فراسة لا تكاد تخطىء، نظر يوما إلى ابن فروخ فقال: «هذا فقيه بلده» ونظر إلى ابن غانم فقال: «وهذا قاضى بلده»، ونظر إلى البهلول بن راشد فقال: «وهذا عابد بلده».
وقدم عبد الله بن فروخ المدينة حاجا، فلما نزل لبس ثيابه ثم توجه إلى قبر النبى (صلى الله عليه وسلم) فسلم عليه ثم أتى مالك بن أنس مسلما، فلما رآه قام إليه وكان لا يكاد يفعل ذلك لكثير من الناس، وأجلسه إلى جانبه وسأله عن أحواله وقدومه فأعلمه أن قدومه كان فى الوقت، فقال: «صدقت لو كان قدومك تقدم لعلمت، ولو علمت لأتيتك» وجعل مالك لا ترد عليه مسألة وعبد الله حاضر إلا قال له: «أجب يا أبا محمد،» فيجيب، فيقول مالك للسائل: «هو كما ذكر لك» قال: ثم التفت مالك إلى أصحابه فقال: «هذا فقيه المغرب»، وكان على هديه وورعه يقول لتحليل النبيذ ويشربه، ويروى أحاديث فى تحليله، وكان يرى الخروج على أهل الجور والظلم، وواعد أصحابه على الخروج، وكان يتعاهد معهم أن يتوافوا بباب أصرم، فما وافاه إلا أبو محرز وجم أصحابه، واتصل ذلك بروح بن حاتم، فقال له: «بلغنى أنك ترى الخروج علينا؟» قال: «نعم» فتعاظم ذلك روح من قوله وقال له: «فى كم؟» قال: «فى ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلا عدة أهل بدر كلهم أفضل منى»، فقال له روح: «قد أمنا أن يخرج علينا أبدا لأنه لا يجد أحدا
صفحه ۱۰۳