بعد موسى ثم عليا من بعد هارون. فلما صار الأمر إلى الرشيد خلع على بن المهدى وعوضه من ذلك عشرين ألف ألف درهم، وكان متولى القضاء لروح رجل من أهل تونس، يقال له العلاء بن عقبة، وكان صالحا ورعا، فحكم لرجل من أهل باجة بحكم ففضه روح ووقف عليه، وبلغ ذلك العلاء، فقام من المسجد فبعث روح ورائه، فالتمسوه فلم يوجد فى داره ولا موضع قضائه، فلقيه يوم ومعه جلده ودرنه وهو سائر إلى تونس، فبعث روح إلى عبد الله بن فروخ ليوليه القضاء، فأبى وامتنع، فأجبره وأمر من يقعده فى الجامع، فأقعدوه ودعوا بالخصوم، فتقدم إليه خصمان فقال لهما: «أنا شد كما الله أن تكونا أشأم رجلين على»، فقاما، فلم ييأس منه وعرض عليه، فأبى ثم قال له: «أشر على» فأبى، فأمر روح أن يصعد به إلى بعض السطوح، وقال: «إن أشار وإلا ألقوه إلى الأرض» فقال: «هذا الفتى عبد الله بن عمر بن غانم كانت لنا معه صحبة». فكأنه أومأ نحوه.
قال: فولى روح القضاء عبد الله بن عمر بن غانم، وكان لا يجيب مشيره فى الخصومات، فيأبى ويقول: لم أتقلد هذا قاضيا أتقلده مستشارا!»، وكان هذا سبب خروجه إلى مصر، وبها توفى.
وكان عبد الله بن عمر بن غانم فقيها ورعا عالما مقدما مع فصاحة لسان وحسن بيان، وبصر بالعربية ورواية للشعر وكان قائلا له حسن العلم به، وهو أحد القضاة الذين يفخر بهم أهل إفريقية، وأقام على القضاء نحوا من عشرين سنة، وكان قد رحل إلى مالك بن أنس- (رحمه الله)- وسفيان الثورى وأبى يوسف القاضى وغيرهم. وكان يقول: «دخلنا على سفيان الثورى، فقال: ليقرأ على أفصحكم لسانا، فإنى لا سمع اللحنة فيتغير لها قلبى» فقرأت عليه إلى أن فارقته، فما رد على حرفا واحدا ... فنظرت فى حاجات وخرجت إلى ... فخرج هارون يشيعنى ثم ودعنى ثم لحقنى وصاح:
يا روح، لا تنزل ولا ترجع ... وأنا مقيم ثم سايرنى، فقال: عليك بالزاب املأه خيلا ورجلا، وكان ذا رأى وحزم وعلم مع شجاعة وجود وصرامة، وهو أنبه ذكرا بالمشرق من يزيد، ويزيد أكثر أخبارا منهم بإفريقية لطول مقامه بها، ويقال إن المنصور وجه يزيد إلى إفريقية لما انتقضت عليه بقتل عمر بن حفص، وبعث روحا إلى السند،
صفحه ۱۰۰