قال: ومن أخباره المشهورة بإفريقية أن بعض وكلائه أتاه يوما فقال: «أعز الله الأمير، أعطيت فى الفول الذى زرعناه فى فحص القيروان كذا وكذا، وذكر مالا جليلا، فسكت عنه وأمر قهرمانة وطباخه أن يخرجا إلى ذلك الموضع وأمر فراشيه أن يضربوا فيه، مضارب كثيرة، وخرج مع أصحابه فتنزه فيه وأطعم، فلما أراد الانصراف دعا بالوكيل وأمر بأدبه، وقال: «يا بن اللخناء، أردت أن أعير بالبصرة، فيقال: يزيد بن حاتم باقلانى أمثلى يبيع الفول- لا أم لك-؟» ثم أمر بإباحته، فنادى فى أهل القيروان بالخروج إليه، فخرج إليه الناس، فمن بين آكل وشارب ومتنزه حتى أتوا على آخره.
ومن مشهور أخباره: أنه خرج من القيروان يوما متنزها إلى منية الخيل، وهو الذى حفر البئر العذبة وبناها، وجعل خيله هناك فى اصطبلات، أمر ببنائها فى هذه المنية، فبذلك سميت «منية الخيل».
ونظر يوما فى طريقه إلى غنم كثيرة، فقال: «لمن هذا الغنم؟»، فقالوا: «لإسحاق ابنك»، فدعا به، فقال: «الك هذه الغنم؟» قال: «نعم»، قال: «لم أردتها؟» قال: «آكل من خرافها، وأشرب من ألبانها، وانتفع بأصوافها» قال: «فإذا كنت أنت تفعل هذا، فما بينك وبين الغنامين والجزارين فرق»، وأمر بالغنم أن تذبح وتباح للناس، فانتهبوها وذبحوها وأكلوا لحمها، وجعلوا جلودها على كدية، فهى تعرف من ذلك الوقت إلى اليوم «بكدية الجلود».
وحضر عبد الله بن الفروخ الفقيه جنازة فى باب نافع، فرأى إسحاق بن يزيد قد أغرى كلابه على ظبى ليضربها الصيد فنهشته ومزقت جلده، فلما انصرف استوقفه ابن فروخ، فوقف له إسحاق، فما كناه ابن فروخ ولا زاد أن قال له: «يا فتى، أنى رأيتك تغرى كلابك آنفا ببهيمة، وما أحب ذلك»، قال له إسحاق: «صدقت أبا محمد، جزاك الله خيرا» ولم يزل لديه مكينا معظما عنده، ثم قال له: «والله لا فعلت ذلك بعد يومى هذا أبدا».
وكان سبب قدومه إفريقية أنه اتصل بأبى جعفر المنصور: أن عمر بن حفص قتل
صفحه ۹۱