وجاءه العرب ممن سافر معه وممن خلفه مع ابنه عبد الله بإفريقية، فلما احتفل المجلس، قال: «قد أصبحت اليوم فى ثلاث نعم، اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين»، فقرأ كتاب الوليد بشكره والثناء عليه، ووصف ما أجرى الله تبارك وتعالى من الفتوحات على يديه، فحمد الله فقاموا إليه فهنأوه بذلك. ثم قال: اقرأ كتاب ابنى عبد العزيز، يصف ما فتح الله بعده فى الأندلس، فقاموا إليه، فهنأوه. ثم قال: «وأما الثالثة، فأنا أريكموها» وأمر برفع ستر خلفه، فإذا ببهو فيه جوار مختلفات الألوان من ملساء إلى ناهد إلى منكسرة، عليهن الحلى والحلل، فهنىء بذلك، وعلى بن رباح اللخمى ساكت. فقال له موسى: «يا على ما لك لا تتكلم؟!» فقال: «أصلح الله الأمير، قد قال القوم» قال: «وقل أنت» قال: «أنا أقول، وأنا انصح الناس لك: إنه ما من دار ملئت حبرة إلا امتلأت عبرة، ولا انتهى شىء إلا رجع، فارجع قبل أن يرجع بك! قال: «فانكسر موسى. ثم التفت فقال: يا فلان جئنى بهؤلاء الجوارى، هذه قم يا فلان فخذ هذه حتى أزفهن كلهن، فأقام بعد عيد الأضحى بقصر الماء ثلاثة أيام بعسكره.
ثم رحل إلى المشرق، ومعه طارق، وقد قفل به وبكل ما أصاب من (أ) الأموال والجوهر والمائدة، وخلف على إفريقية عبد الله ابنه وكان أكبر بنيه، وعلى طنجة ابنه عبد الملك وسار فلما ... ومر بخربة عادية ومدينة من مدائن الأولين نزل، فركع ركعتين، ومشى فيها، وفكر فى معالمها وآثارها وبكى بكاء كثيرا. ثم إنه ركب يريد الشام، فلما كان بالعريش جاءه كتاب الوليد يستعجله، وجاءه كتاب سليمان يأمره بالتربص، وكان سليمان ولى عهده، وكان الوليد مريضا بدير من غوطة دمشق، فأسرع موسى ولم ينظر فى كتاب سليمان، ودفع الأموال إلى الوليد، وأهدى إليه المائدة والدر والياقوت، وذكر موسى للوليد أنه الذى أصاب المائدة وفتح طليطلة. فلما رأى ذلك طارق دخل على الوليد وهو مريض، أعلمه بالقصة وأخبره أن موسى تعدى فى أموال المسلمين وأنفقها فبعث إلى موسى، وجمع بينهما بين يديه، وكذبه موسى، فقال له طارق: «يا أمير المؤمنين، ادع بالمائدة، وانظر هل ذهب منها شىء» فدعا بها الوليد، ونظرها فإذا رجل من أرجلها لا يشبه بقية الأرجل، فقال له طارق: «سله عنها يا أمير المؤمنين، فإن أخبرك بأمر الرجل
صفحه ۵۸