أبي غالب عبد المنعم بن محمد بن أسد بن علي التميمي، وطاف في البلد مع أقاربه، وسكن أهله، وسكنت الدهماء، ولم يغلق في البلد حانوت ولا اضطرب أحد، واستبشر الناس قاطبة من الخاص والعام والعسكرية وعامة الرعية".
واحتفظت أسرة آل القلانسي بمكانتها العالية في دمشق لعدة قرون فقد تحدث كل من ابن كثير، وابن طولون وبدران عن "الصاحب عز الدين أبو يعلى حمزة بن مؤيد الدين أبي المعالي أسعد بن عز الدين بن غالب بن المظفر ابن الوزير مؤيد الدين أبي المعالي أسعد بن أبي يعلى حمزة بن أسد بن علي ابن حمزة التميمي الدمشقي، ابن القلانسي، أحد رؤساء دمشق الكبار، ولد سنة تسع وأربعين وستمائة، وسمع الحديث من جماعة ورواه ... وله رئاسة باذخة، وأصالة كثيرة، وأملاك هائلة كافية لما يحتاج إليه من أمور الدنيا، ولم يزل مع صناعة الوظائف إلى أن ألزم بوكالة بيت السلطان، ثم بالوزارة".
وابن القلانسي هذا هو حفيد لمؤرخنا، وهو الذي بنى دار الحديث القلانسية في صالحية دمشق، ولعله بناها على تربة جده المؤرخ، ذلك أنه دفن في سفح جبل قاسيون.
وعلى العموم نجد أن ما جاء في كتب التراجم وفي ثنايا تاريخ ابن القلانسي عبارة عن مواد مقتضبة، فهي وأن تحدثت عن ثقافته العالية واهتمامه بالحديث فإنها لم تذكر اسم واحد من أساتذته ولا من تأثر بهم ثقافيًا، ولا عن سلوكه ونشاطاته وصفاته الخلقية والخُلقية، وغير ذلك من الأمور التي بودنا لو عرفناها.
ومهما يكن الحال فإن كتابه في التاريخ وعمله في ديوان "الإنشاء" بمثابة رئيس له تدل على علو ثقافته وتمكنه من ناصية اللغة، ومن المفيد هنا أن نشير إلى أنه وإن شابه أهل عصر في اهتمامه بالصنعة والمترادفات، إلا أنه لم يسرف في ذلك كما أسرف العماد الأصفهاني وسواه ولا شك أن رئاسته للديوان جعلته وسط أخبار الوقائع والأحداث مع شيء من المشاركة، ومكنته من الاطلاع
المقدمة / 15