يقول أحمد بن محمد بن نصر: إن محمد بن جعفر النرشخى لم يذكر هذا الفصل بهذا الترتيب، ولكنه ساق بعضه فى أثناء الكلام. وروى أبو الحسين النيسابورى فى خزائن العلوم أنه لما انتهت الخلافة إلى أمير المؤمنين المهدى «2» أى أبى هارون الرشيد «3» ولم يكن أحد قط من خلفاء بنى العباس أورع منه، قلد إمارة خراسان كلها أبا العباس بن الفضل بن سليمان الطوسى سنة مائة وست وستين هجرية (782 م) وجاء هو إلى «مرو» «4» وأقام هنالك، فذهب إليه الوجوه والأكابر والعظماء «5» وذهب كبراء السغد «6» أيضا جملة إلى مرو للسلام على أمير خراسان، وسألهم عن حال ولاياتهم، فقال أهل بخارى:
نحن فى نصب من كفرة الترك إذ أنهم يجيئون كل وقت فجأة ويغيرون على القرى، وقد جاءوا الآن من جديد وأغاروا على قرية «سامدون» وحملوا المسلمين أسارى.
فقال أبو العباس الطوسى: هل لكم من تدبير فأجريه؟
وكان هناك يزيد بن غورك ملك السغد فقال: أطال الله بقاء أمير خراسان، كان الترك فى سالف الأزمان فى الجاهلية يغيرون على ولاية السغد وكان بالسغد ملكة، فسورت السغد وأمنت ولاية السغد الأتراك. فأمر أبو العباس الطوسى المهتدى بن حماد بن عمرو الذهلى أمير بخارى من قبله أن يسور بخارى بحيث تكون جميع رساتيق بخارى داخل السور مثل سمرقند حتى لا تصل أيدى الأتراك إلى ولاية بخارى. فأمر المهتدى بن حماد هذا بأن يضرب هذا السور وتوضع البوابات «1» وأن يقام فى كل نصف ميل برج محكم.
وقد قام سعد بن خلف البخارى قاضى بخارى بهذا العمل حتى تم فى أيام محمد بن منصور بن هلجد بن ورق «2» فى سنة 215 ه (830 م)، وكان كل أمير بعد ذلك يعمره ويحافظ عليه. وتحمل أهل بخارى مؤنة ونفقات طائلة، إذ كان يلزم فى كل عام كثير من الأموال والمسخرين حتى كان عصر الأمير إسماعيل السامانى رحمه الله، فأطلق سراح الخلق إلى أن تخرب ذلك السور وقال:
مادمت حيا فأنا سور لبخارى، وقام بما تعهد به وكان يحارب دائما بشخصه ولم يدع الأعداء يظفرون ببخارى.
صفحه ۵۸