والصحيح أن الدين الذي جاءت به السنة لابد وأن يكون عن إجماع المحقين أنه عنه - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة ، أو من علماء الفرقة المحقة ، ولا تجتمع الأمة على ضلال ، فلا بد من فرقة محقة وهي التي لم (¬1) تقم الصحة على ضلالهم في شيء ، وإلا صار دين الله غير لازم للعباد ؛ لأن فرق الضلال ليست حجة على أحد من العباد ، إذ لا يعرف الفرق بين حقهم وضلالهم فيما لا تقوم الحجة بمعرفته إلا بالسماع ولا يؤمنون على الضلال بما [35/ب]يقولونه من ذلك فيبقى غير لازم العمل بشيء من دين الله غير العمل بما في الأربعة الأحرف لا غير ، وهذا مما يشاهد العقل بطلانه .
فالدين الذي جاءت به السنة مما لا تقوم بمعرفته إلا بالسماع ، إنما كان دينا عن إجماع من أهل الحجة [30/ج] أنه كذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولذلك كان إجماع المحقين على حكم في شيء على وجه العدل حجة ، ويكون دينا إذ لو كان إجماعهم في ذلك لا يكون دينا لم يكن إجماعهم حجة ، وإذا لم يكن إجماعهم حجة لم يكن إجماعهم أن حكم هذا الأمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه حكم (¬2) به على التحريم ، أو على الوجوب ، أو على الكراهية (¬3) ، أو على الندب ، أو على أنه وسيلة ، أو على الإباحة ، أو على أنه حلال أو حرام بالدينونة ، لم يبق لله دين يلزم العباد العمل به ، ويكون العقاب إن تركوا واجبه فيما أجمعوا عليه أنه أوجبه - صلى الله عليه وسلم - ، ولا تحريم شيء يكون عليهم العقاب فيما أجمعوا عليه أنه حرمه فهو حرام في الدين ، وبطل التعبد بما لا تقوم الحجة بمعرفته من دين الله إلا (¬4) بالسماع ، فافهم ذلك فإني لو شرحت لك فصلا من دين الله دخل فيه شرح جميع الدين ، ولا ينقطع شرح ذلك مع شرحه إلى يوم الحشر وبالله التوفيق .
[الدين الذي لا تقوم به الحجة إلا بالسماع]
¬__________
(¬1) في ب لا.
(¬2) في أ أحكم.
(¬3) في أ الكرهة وهو تصحيف.
(¬4) في ب إنه.
صفحه ۶۴